كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته، وهي آيةٌ لا شيء أبين منها وأيقن، ثم لا يؤمنون كما قال: (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى) [الأنعام: 111]- لم يكن بدّ من إهلاكهم، كما أهلك أصحاب المائدة، وإما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملك، فيجب إهلاكهم، وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
ومعنى (ثُمَّ): بعد ما بين الأمرين؛ قضاء الأمر، وعدم الإنظار. جعل عدم الإنظار أشدّ من قضاء الأمر؛ لأنّ مفاجأة الشدّة أشدّ من نفس الشدّة.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً): ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا - لأنهم كانوا يقولون: لولا أنزل على محمدٍ ملك! وتارةً يقولون: (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون: 33]، ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن). فإن قيل: هذا يؤذن أن هذه الآية أبين من سائر المعجزات، مثل: انشقاق القمر، وفلق البحر، وإحياء الموتى، قلت: نعم، لأنه أراد بقوله: "لأنهم إذا عاينوا الملك": الملك المطلوب، والآية المقترحة، ولا ارتياب أنه لا شيء أبين منها في إزاحة العلل، وأيقن لنزول العذاب. ولذلك أتي بقوله: "كما أهلك أصحاب المائدة" مستشهداً به، لأنها أيضاً كانت مقترحة، فأهلكوا بالمسخ.
قوله: (لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف)، يعني: إذا نزلت الملائكة، اضطروا إلى الإيمان، وقاعدة التكليف الاختيار.
هذا في حق الكفار عند نزول العذاب بعد الإنذار، كما قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَاسَنَا {[غافر: 85]. وأما المؤمنون إذا رأوا الملائكة، فيزيد إيمانهم، {ومَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلاَّ بُشْرَى لَكُمْ ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ {[آل عمران: 126].
قوله: (وتارة يقولون). اعلم أن "تارة" مقتضية مقارنتها، وهي محذوفة، إذ التقدير:

الصفحة 27