كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

(لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) [فصلت: 14]- (لَجَعَلْناهُ رَجُلًا): لأرسلناه في صورة رجل، كما كان ينزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلم الأحوال في صورة دحية، لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم، (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ): ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ، ... ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنهم تارة كانوا يقولون: لولا أنزل على محمدٍ ملك، وتارةً يقولون: {مَا هَذَا إلاَّ بَشَرٌ {[المؤمنون: 24]، فأوجب ذلك أن يجعل الضمير في قوله: {ولَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا {لما يقال له: الرسول، سواء كان مبعوثاً إليهم لما قالوا: {مَا هَذَا إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ {[المؤمنون: 24]، أو إلى من هو مبعوث إليهم لما قالوا: لولا أنزل على محمدٍ ملك.
فلذلك فسر الضمير بالرسول المطلق في قوله: "ولو جعلنا الرسول ملكاً"، وعلله بقوله: "لأنهم كانوا يقولون" إلى آخره.
فقوله تعالى: {ولَوْ جَعَلْنَاهُ {: عطف على: {ولَوْ نَزَّلْنَا {، فأردف الجواب بجواب آخر، أعم منه، قلعاً لشبههم من سنخها.
قال القاضي: " {ولَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا {: جواب ثانٍ إن جعل الهاء للمطلوب، وإن جعل للرسول فهو جواب اقتراحٍ ثان، فإنهم تارةً يقولون: {لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ {، وتارة يقولون: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلائِكَةً {[فصلت: 14] ".
وما ذهب إليه المصنف أقضى لحق البلاغة، لاشتمال الجواب على المطلوب، وعلى غيره.
قوله: (في صورة دحية). قال صاحب "الجامع": "دحية: بكسر الدال وسكون الحاء

الصفحة 28