كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يلقى من قومه، (فَحاقَ) بهم: فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو الحق، حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به.
[(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)].
فإن قلت: أي: فرق بين قوله: (فَانْظُروا) وبين قوله: (ثُمَّ انْظُرُوا)؟ قلت: جعل النظر مسبباً عن السير في قوله: (فَانْظُروا)، فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين، وأما قوله: (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو مصدرية، وهو مفعول مطلق، والكلام فيه تشبيه، وحينئذ لبس الله غير لبسهم. ولهذا كرر الظرف، حيث قال أولاً: "حينئذٍ"، وثانياً: "الساعة". والمراد باللبس: الكفر في أمر آيات الله، وهو ما يعلم من قوله: {لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا إلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ {[الأنعام: 7]. وإليه الإشارة بقوله: "في كفرهم بآيات الله البينة".
قوله: (حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به). يعني أن قوله: {مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ {من باب إطلاق السبب على المسبب، لأن المحيط بهم هو العذاب، لا المستهزأ به، ولما كان سبباً له وضع موضعه للمبالغة.
قوله: (أي فرقٍ بين قوله: {فَانظُرُوا {)، أي: في قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا {[آل عمران: 137].

الصفحة 30