كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
وقوله: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) نصبٌ على الذم، أو رفع؛ أي: أريد الذين خسروا أنفسهم، أو أنتم الذين خسروا أنفسهم.
فإن قلت: كيف جعل عدم إيمانهم مسبباً عن خسرانهم، والأمر على العكس؟ قلت: معناه: الذين خسروا أنفسهم في علم الله: لاختيارهم الكفر. فهم لا يؤمنون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم إن القوم لما كانوا ممن طبع على قلوبهم، لهم أن يقولوا عند الأمر بالتكليف، وترك العبادات، وأنهم خلقوا ليعملوا فيجازوا به: ليس الأمر كذلك، بل {نَمُوتُ ونَحْيَا ومَا يُهْلِكُنَا إلاَّ الدَّهْر {[الجاثية: 24]. فوبخوا عند ذلك بقوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ {، كقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وأَنَّكُمْ إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ {[المؤمنون: 115].
وإدخال لام القسم دل على الترقي في الإنكار، كقول الرسل: {إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ {[يس: 16] في الكرة الثانية.
قوله: (معناه: الذين خسروا أنفسهم في علم الله تعالى). قال الإمام: هذا يدل على أن سبق القضاء بالخسران هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان. وذلك عين مذهب أهل السنة.
وقال صاحب "الفرائد": "ويمكن أن يقال: من أضاع رأس المال، لم يحصل له الربح. ورأس المال هو نفس الحياة، والربح الإيمان، فإذا أضاعها فيما لا يعنيه فقد أهلكها، فلم يحصل له الربح".
هذا أقرب إلى أصول المعتزلة. كما أن قول المصنف عين مذهب أهل السنة.
الصفحة 34
744