كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

وقوله: (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) في محل النصب مفعول "كتبنا"، و (مَوْعِظَةً وتفصيلاً) بدلٌ منه. والمعنى: كتبنا له كل شيءٍ كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام.
وقيل أُنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير، يقرأ الجزء منه في سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى، ويوشع، وعزيرٌ، وعيسى عليهم السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((من كل شيءٍ) في محل النصب مفعول "كتبنا"، و (موعظة وتفصيلاً) بدل منه): قال الإمام: "لا شبهة في أن قوله: (من كل شيء) ليس على العموم، لأن المراد: كل شيء كانوا محتاجين إليه: من الحلال والحرام والمحاسن والقبائح، وهو على ضربين: أحدهما: ما يوجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية، من الوعد والوعيد، وهو الضرب الثاني. ولما قرر ذلك، أتبعه شرح أقسام الأحكام، وتفصيل الحلال والحرام".
قلت: و (من) على هذا: ابتدائية، أو زائدة، ويمكن أن تحمل على التبعيض وتكون (موعظة) وحدها بدلاً منه، و"تفصيلاً" عطفاً على محل الجار والمجرور. فيختلف جهتا كل من قوله: (كل شيءٍ) و"تفصيلاً"، ويأخذ كل من (موعظة وتفصيلاً) حقه، ولا تضيع فائدة اتصال لـ (كل شيء) الثاني بـ"تفصيلاً".
والمعنى: كتبنا بعض كل شيء في التوراة: من نحو السور والآيات وغيرهما (موعظة)، وكتبنا فيها تفصيل كل شيء يحتاجون إليه من الحلال والحرام، ونحوه.
وفيه وجوه من الفوائد، منها: اختصاص الإجمال والتفصيل بالموعظة، للإيذان بأن الاهتمام بها أشد، والعناية بها أتم، ولعمري هو كذلك، ومن ثم أكثر مدح النبي صلي الله عليه وسلم بالبشير النذير.

الصفحة 571