كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

كالاقتصاص والعفو والانتصار والصبر. فمرهم أن يحملوا على أنفسهم في الأخذ بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب، كقوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الزمر: 55]. وقيل: يأخذوا بما هو واجبٌ أو ندب، لأنه أحسن من المباح. ويجوز أن يراد: يأخذوا بما أُمروا به، دون ما نهوا عنه، على قولك: الصيف أحرّ من الشتاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى محيي السنة عن قطرب: " (بأحسنها) أي: بحسنها، وكلها حسن".
وقلت: لكن بحسب أحوال المكلف، تتفاوت إلى الحسن والأحسن، والوجوه مبنية على هذا.
قوله: (كالاقتصاص والعفو): هذا يقوي ما أوردناه على كلامه في "البقرة"، عند قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) [البقرة: 178]: "أن أهل التوراة كتب عليهم القصاص، وحرم العفو". ويخالف قوله بعدها في تفسير قوله تعالى: (ويَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف: 157]: "نحو بت القضاء بالقصاص، عمداً كان أو خطأ".
قوله: (أن يراد: أن يأخذوا بما أمروا به، دون ما نهوا عنه): يعني: أن التوراة مشتملة على الأمر والنهي، وعلى ما يجب فعله، وعلى ما ينبغي تركه. فقال: (بأحسنها)، أي: بأحسن ما فيها من الأمرين: من الفعل والترك، والمتروك لا يكون حسناً، وإنما هو على باب قولك: "الصيف أحر من الشتاء"، أي: الصيف أبلغ في بابه من الحرارة من الشتاء في بابه من البرودة. والمعنى: ما أمروا به أبلغ في بابه من الحسن مما نهوا عنه في بابه من القبح.

الصفحة 574