كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
(ذلِكَ) في محل الرفع أو النصب؛ على معنى: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم، أو صرفهم الله ذلك الصرف بسببه، (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) يجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به، أي: ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها، ومن إضافة المصدر إلى الظرف؛ بمعنى: ولقاء ما وعد الله في الآخرة.
[(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ* وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)].
(مِنْ بَعْدِهِ): من بعد فراقه إياهم إلى الطور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله (من بعده): من بعد فراقه إياهم إلى الطور)، فيكون: (واتخذ قوم موسى) عطفاً على قوله: (وواعدنا موسى) [الأعراف: 142] عطف قصةٍ على قصة. وذلك أنه تعالى لما أخبر أن بني إسرائيل لما جاوزوا البحر، بعد إغراق فرعون، ورأوا قوماً يعكفون على أصنام لهم، فطلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً، أي: يتخذ لهم أصناماً مثل تلك الأصنام، ليعكفوا على عبادتها، كما كانوا عاكفين، وأجابهم نبي الله ذلك الجواب العنيف، أخبر بعد ذلك عن حاله عليه السلام مع ربه عز وجل وفراقه إياهم إلى الطور، وعن حال قومه بعده، وانتهازهم تلك الفرصة، لتحقيق متمناهم.
ويؤيد هذا التأويل ما رواه المصنف عن ابن جريج في وصف تلك الأصنام: "كانت تماثيل بقر"، وذلك أول شأن العجل، فعلى هذا الوجه يكون (واتخذ) مما يتعدى إلى مفعولين، وأن المعنى: "واتخذوا"، أي: العجل الموصوف إلهاً، كما تمنوا.