كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
وكونها عواري في أيديهم كفى به ملابسةً على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين، كما ملكوا غيرها من أملاكهم. ألا ترى إلى قوله عزّ وعلا: (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ* كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء: 57 - 59].
(جَسَداً): بدناً ذا لحم ودم كسائر الأجساد. والخوار: صوت البقر، قال الحسن: إن السامري قبض قبضةً من ترابٍ من أثرِ فرس جبريل عليه السلام يوم قطع البحر، فقذفه في العِجل، فكان عِجلاً له خُوار. وقرأ عليٌّ رضي الله عنه: "جؤار" بالجيم والهمزة، من جأر: إذا صاح، وانتصاب (جَسَدًا) على البدل من (عِجْلاً).
(أَلَمْ يَرَوْا) حين اتخذوه إلهاً أنه لا يقدر على كلامٍ ولا على هداية سبيل، حتى لا يختاروه على من لو كان البحر مداداً لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته، ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على أنهم قد ملكوها): إعراض عن الجواب، ورد للسؤال، وأن الحلي كانت عواري في أيديهم، بل كانت ملكاً لهم، ملكوها كسائر ما ملكوا من فرعون وقومه.
قوله: ((جسداً): بدناً ذا لحم ودم)، الراغب: "الجسد كالجسم، لكنه أخص، قال الخليل: لا يقال: الجسد، لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه، وأيضاً فإن الجسد يقال لما له لون، والجسم يقال لما لا يبين له لون، كالماء والهواء، وقال تعالى: (ومَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَّ يَاكُلُونَ الطَّعَامَ) [الأنبياء: 8] يشهد لما قال الخليل. وقال: (عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ) وقال: (وأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا) [ص: 34]، وباعتبار اللون قيل للزعفران: جساد، وثوب مجسد: مصبوغ بالجساد، والمجسد: الثوب الذي يلي الجسد".
قوله: (حتى لا يختاره على من لو كان البحر مداداً لكلماته): يريد: أن قوله: (لا يُكَلِّمُهُمْ ولا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) تعريض بالإله الحق، وبعلمه الشامل، وبهدايته الواضحة، ولو