كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
(وَلَمَّا سُقِطَ في اَيّدِيِهِمْ): ولما اشتدَّ نَدمهم وحسرتهم على عبادة العجل، لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غماً، فتصير يده مسقوطاً فيها، لأن فاه قد وقع فيها. و (سُقط) مسندٌ إلى (في أيديهم) وهو من باب الكناية.
وقرأ أبو السميفع: "سقط في أيديهم"، على تسمية الفاعل، أي: وقع العض فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((ولما سقط في أيديهم): ولما اشتد ندمهم): إنما قال: "اشتد" لأنه كناية عن "ندموا"، والكناية أبلغ. والأصل: سقط فوه في يده، لأن النادم يعض أنامله، ويقرع أسنانه عليها، ثم بني للمفعول، نحو مر بزيدٍ، وسير بعمرو.
وأما قراءة ابن السميفع: (سقط في أيديهم) على إضمار الفاعل، فوجهها أن يكون الفاعل أيضاً الفم، والذي شجعه على إضماره استمرار الاستعمال فيما لم يسم فاعله، واشتهاره في معنى الندم، وصيرورته مثلاً فيه. ومن ثم جسر الزجاج، حتى قال: "سقط الندم في أيديهم".
فإن قلت: قوله: "تشبيهاً لما يحصل في القلب وفي النفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين" يؤذن بأنه من الاستعارة التمثيلية، فهل ينافي قوله: "وهو من باب الكناية"؟ قلت: لا، لأن الكناية الإيمائية عبارة عن أخذ الزبدة من مجموع الأشياء المتوهمة، فهي مسبوقة بالاستعارة التمثيلية، لأن الوجه في التمثيلية منتزع من عدة أمورٍ متوهمة، فإذا نزر إلى مفردات التركيب، قيل: استعارة، وهي مسبوقة بالتشبيه، وإذا نظر إلى زبدة المجموع من حيث هي هي، قيل: كناية إيمائية، وهي مسبوقة بالاستعارة.