كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
الأَسِف: الشديدُ الغضب؛ (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) [الزخرف: 55]، وقيل: هو الحزين، (خَلَفْتُمُوني): قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي.
وهذا الخطاب إما أن يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه، أو لوجوه بني إسرائيل، وهم هارون عليه السلام والمؤمنون معه، ويدل عليه قوله: (اخْلُفْنِي فيِ قَوْمِي) [الأعراف: 142]، والمعنى: بئس ما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، أو حيثُ لم تكفوا من عَبَدَ غير الله.
فإن قلت: أين ما تقتضيه "بئس" من الفاعل والمخصوص بالذم؟ قلت: الفاعل مضمرٌ يفسره "ما خلفتموني"، والمخصوص بالذم محذوف، تقديره: بئس خلافةٌ خلفتمونيها من بعد خلافتكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الأسف: الشديد الغضب) إلى قوله: (هو الحزين)، الراغب: "الأسف: الحزن والغضب معاً، وقد يقال لكل منهما على الإنفراد، وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام، فمتى كان على من دونه، انتشر، فصار غضباً، ومتى كان على من فوقه، انقبض، فصار حزناً، ولذلك لما سئل ابن عباسٍ عن الحزن والغضب، فقال: مخرجهما واحد، واللفظ مختلف".
قوله: (الفاعل مضمر يفسره "ما خلفتموني")، قيل: إنما خص بالمضمر، لأن "ما خلفتموني" إما أن يكون فاعل "بئس" أو المخصوص بالذم، أو المفسر للفاعل المستكن في "بئس"، لا يجوز أن يكون فاعل "بئس"، لأن "ما خلفتموني" مفصل، وفاعل "بئس" يجب أن يكون مبهماً، ولا يجوز أن يكون المخصوص بالذم، لأنه يبقي "بئس" بلا فاعل، لأنه إنما يضمر فاعل "بئس" بشرط أن يعقبه المفسر، فبقي أن يكون مفسراً لفاعل "بئس" المضمر.