كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
(إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) يعني: أنه لم يأل جهداً في كفهم بالوعظ والإنذار، وبما بلغته طاقته من بذل القوة في مضادّتهم حتى قهروه واستضعفوه ولم يبق إلا أن يقتلوه (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ): فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إليّ، وقرئ: "فلا يشمت بي الأعداء"، على نهي الأعداء عن الشماتة، والمراد أن لا يحل به ما يشمتون به لأجله، (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ): ولا تجعلني في موجدتك عليّ وعقوبتك لي قريناً لهم وصاحباً. أو: ولا تعتقد أني واحد من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الزجاج: "من قرأ بالفتح، فلأن كثرة الاستعمال دعا إلى الخفة، وأن النداء مظنة الحذف، فجعلوا "ابن أم" شيئاً واحداً. ومن العرب من يقول: يا ابن أمي، بإثبات الياء".
قوله: (فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة)، الراغب: "الشماتة: الفرح ببلية من تعاديه ويعاديك، يقال: شمت به، فهو شامت، والتشميت: الدعاء للعاطس، كأنه إزالة الشماتة عنه بالدعاء له، فهو كالتمريض في إزالة المرض".
قوله: (في موجدتك)، الأساس: "وجد عليه موجدة: غضب عليه".
قوله: (أو: ولا تعتقد أني واحد من الظالمين) من باب الكناية، والفرق بين الوجهين هو أن في الوجه الأول قيد مطلق قوله: (ولا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ) بحالة الغضب، وإرادة الانتقام.
وفي الوجه الثاني أبقاه على إطلاقه، ولكن جعل "الجعل" بمعنى الاعتقاد من باب قوله تعالى: (وجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إنَاثًا) [الزخرف: 19].