كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل: أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم، أحدهما: يهتدي إليه العقل من نصب الأدلة الباعثة على الاعتراف الحالي، وثانيهما: المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد، كالأنبياء عليهم السلام، أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يعلم الأمة ويخبرهم أن من وراء الميثاق الذي تهتدون إليه بعقولكم ميثاقاً آخر أزلياً، فقال ما قال من مسح ظهر آدم في الأزل، وإخراج الذرية والميثاق الآخر".
وقلت: هذا كلام عالي الدرجة لا مزيد عليه، وهو قريب من الأسلوب الحكيم، على منوال قوله تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فاللوالدين) [البقرة: 215]، سألوا عن بيان ما ينفقون، وأجيبوا ببيان المصرف، وضمن بيان ما ينفقون. كذا هاهنا: سأل الصحابي عن بيان الميثاق الحالي، فأجيب عن المقالي، وضمن فيه الحالي على ألطف وجه. والله أعلم.
قلت: من أبي هذا التقرير قرب أن يعدل إلى مذهب أهل العدل، وأما الترديد الذي نقله الشيخ التوربشتي رحمه الله وهو أن "قالوا: إن كان هذا الإقرار عن اضطرار" إلى قوله: "وإن كان عن استدلال" إلى آخره، فخلاصته أنه يلزم ألا يكونوا محجوجين يوم القيامة. فجوابه: أنهم إذا قالوا: شهدنا يومئذ، فلما زال علم الضرورة، ووكلنا إلى آرائنا، كان كذا، كذبوا؛ فإنكم ما وكلتم إلى آرائكم، بل أرسلنا رسلنا تترى لتوقظكم عن سنة الغفلة.

الصفحة 658