كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان من حقه أن يقول: ولكنه أعرض عنها، فأوقع موقعه (ولَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَوَاهُ)، مبالغةً وتنبيهاً على أن ما حمله عليه هو هواه، وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة".
هذا تمام كلام القاضي. وتلخيصه: أن قوله تعالى: (ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) مجرى على ظاهره، وقوله: (ولَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ) محمول على التأويل، على عكس ما فعله المصنف.
ثم الواجب علينا أن نبين وجه الرجحان من غير التعصب، فنقول، والله أعلم بمراده من كلامه: إنه تعالى لما قال: (الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا) بمعنى: نحن فعلنا إيتاء الآيات، فعقبها هو بفعل الانسلاخ، توهماً منه أنه مستقل في إيجاد الفعل، فقيل دفعاً لذلك التوهم: لو شئنا أن نرفعه بالآيات إلى المراتب العلية لفعلنا، فلا يحصل منه الانسلاخ إذاً، لكن تعلقت مشيئتنا بانحطاطه إلى الأرض، فحصل منه الانسلاخ، فوضع موضعه (أخلد إلى الأرض) ليطابق الرفع. وإنما جاء قول المصنف: "ولكنه أخلد إلى الأرض، فحططناه"، على عكس هذا التقدير: لأنه جعل مشيئة الله تابعةً لفعل العبد، فعدم التوفيق، فأخطأ في التلفيق.
وأما قوله: "ولو كان الكلام على ظاهره، لوجب أن يقال: ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنا لم نشأ"، فجوابه: أنك لما جعلت المشيئة ابتداءً تابعةً للزوم هذا الإنسان الآيات، لزمك هذا، فاجعل لزومه الآيات تابعاً للمشيئة، كما فعلنا، لتنظر كيف يجيء الكلام على سننه!

الصفحة 665