كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ): فصفته التي هي مثلٌ في الخسة والضعة كصفة الكلب في أخس أحواله وأذلها، وهي حال دوام اللهث به واتصاله، سواء حُمِلَ عليه - أي: شُدّ عليه وهيج فطرد - أو ترك غير متعرّضٍ له بالحمل عليه. وذلك أنّ سائر الحيوان لا يكون منه اللهث إلا إذا هيج منه وحرّك، وإلا لم يلهث، والكلب يتصل لهثه في الحالتين جميعاً، وكان حق الكلام أن يقال: (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض)، فحططناه ووضعنا منزلته، فوضع قوله: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) موضع "فحططناه أبلغ حط" لأنّ تمثيله بالكلب في أخس أحواله وأذلها في معنى ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وكان حق الكلام) إلى قوله: (فحططناه أبلغ حط): اعلم أن التشبيه عدول عن أصل المعنى، وروم للمبالغة، فإنك إذا أردت المبالغة في قولك: "زيد شجاع"، قلت: "زيد كالأسد"؛ لأنك في التشبيه تقصد محاولة إبراز المشبه في صورة المشبه به، ليثبت في النفس خياله، فيكون أدخل في الروعة وآكد في الدلالة من أصل المعنى.
وهاهنا الأصل - كما قال - "حططناه أبلغ حط"، فوضع التمثيل مقامه، ليخيل إلى السامع خيالاً في غاية الضعة والخسة. واللهث: إدلاع اللسان من التنفس الشديد.
فإن قلت: نسبة التمثيل إلى أصل المعنى من أي قبيل هو؟ قلت: من قبيل الكناية، وأخذ الزبدة والخلاصة من المجموع من غير اعتبار مفرداته، كما سيجيء في قوله تعالى: (والأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر: 67].

الصفحة 666