كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

وقيل: لما دعا بلعم على موسى عليه السلام خرج لسانه فوقع على صدره، وجعل يلهث كما يلهث الكلب.
(ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) من اليهود بعد ما قرؤوا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة،
وذكر القرآن المعجز وما فيه، وبشروا الناس باقتراب مبعثه، وكانوا يستفتحون به، "فَاقْصُصِ" قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم، (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فيحذرون مثل عاقبته، إذ ساروا نحو سيرته، وزاغوا شبه زيغه، ويعلمون أنك علمته من جهة الوحي، فيزدادوا إيقاناً بك وتزداد الحجة لزوماً لهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا)) يعني: إنما أتى بقوله: (ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ) عقيب تمثيل بلعام لينبه اليهود الذين كذبوا رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد ما أوتوا من الآيات، وهو التوراة، وفيها نعت الرسول صلي الله عليه وسلم وذكر القرآن، وبشروا الناس بمبعثه، واستفتحوا بنصرته، ثم انسلخوا منها، ومالوا إلى الدنيا، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، وحرفوا اسمه، وكفروا به، على أن حالهم مثل حال بلعام، حذو القذة بالقذة.
وإليه الإشارة بقوله: "فاقصص قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم (لعلهم يتفكرون) "، قلت: من تفكر في هذا المثل، وسائر الأمثال المضروبة في التنزيل، في حق المشركين والأصنام؛ من بيت العنكبوت، والذباب، تحقق له أن حال علماء السوء أسوأ وأقبح من ذلك، فما أنعاه من مثلٍ عليهم، وما هم فيه من التهالك في الدنيا؛ مالها

الصفحة 669