كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

[(وَلَقَدْ ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ)].
(كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) هُم المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لُطف لهم، وجعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق، ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر، كأنهم عدموا فهم القلوب، وإبصار العيون، واستماع الآذان، وجعلهم - لإغراقهم في الكفر، وشدّة شكائمهم فيه، وأنه لا يأتي منهم إلا أفعال أهل النار - مخلوقين للنار، دلالةً على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار ومنه كتاب عمر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد: "بلغني أن أهل الشام اتخذوا لك دلوكاً عجن بخمر وإني لأظنكم آل المغيرة ذره النار". ويقال لمن كان عريقاً في بعض الأمور: ما خلق فلانٌ إلا لكذا. والمراد وصف حال اليهود في عظم ما أقدموا عليه من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع علمهم أنه النبي الموعود، وأنهم من جملة الكثير الذين لا يكاد الإيمان يتأتى منهم، كأنهم خلقوا للنار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كتاب عمر رضي الله عنه)، النهاية: "الدلوك، بالفتح: اسم لما يتدلك به من الغسولات، كالعدس والأشنان والأشياء المطيبة".
قوله: (عريقاً في بعض الأمور)، الأساس: "فلان معرق في الكرم أو اللؤم، وهو عريق فيه".
قوله: (وأنهم من جملة [الكثير] الذين) عطف على قوله: "وصف" أو "عظم ما أقدموا"، ومحل قوله: "كأنهم خلقوا للنار": إما نصب حال من الضمير في خبر "أن" بمعنى: مشبهين. وإما رفع خبرٍ بعد خبر، وفي كلامه أنهم ما خلقوا للنار حقيقة، وأن المراد من قوله تعالى:

الصفحة 673