كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

فكلما جدّد عليهم نعمة ازدادوا بطراً وجدّدوا معصية، فيتدرّجون في المعاصي بسبب ترادف النعم، ظانين أنّ مواترة النعم أثرةٌ من الله وتقريب، وإنما هي خذلانٌ منه وتبعيد، فهو استدراج الله تعالى، نعوذ بالله منه.
(وَأُمْلِي لَهُمْ) عطفٌ على (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ)، وهو داخل في حكم السين، (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) سماه "كيداً" لأنه شبيهٌ بالكيد، من حيث إنه في الظاهر إحسان، وفي الحقيقة خذلان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجوهري: "المواترة: المتابعة، ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة، وإلا فهي مداركة".
قوله: (فيتدرجون في المعاصي بسبب ترادف النعم)، يمكن أن يحمل على الاستصعاد، باعتبار نظروهم وزعمهم أن مواترة النعم أثرة من الله، وهو الظاهر، وأن يحمل على الاستنزال، باعتبار الحقيقة؛ فإن الجبلة الإنسانية في أصل الفطرة سليمة، متهيئة لقبول الحق، لقضية "كل مولود يولد على الفطرة"، فهو في يفاع التمكن على الهدى والدين، فإذا أخلد إلى الأرض، واتبع الشهوات، ارتكب المعاصي، فنزل درجةً درجة، إلى أن يصير إلى أسفل السافلين، ومنزل أولئك (كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان: 44].
وإليه يلمح قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) [التين: 4، 5].
قوله: (أثرة من الله) من قولهم: استأثر فلان بالشيء: اختص به. والاسم: الأثرة، بالتحريك.

الصفحة 685