كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

(مُرْساها): إرساؤها، أو وقت إرسائها، أي: إثباتها وإقرارها، وكل شيءٍ ثقيل رسوّه ثباته واستقراره. ومنه: رسا الجبل وأرسى السفينة. والمرسى: الأنجر الذي تُرسى به، ولا أثقل من الساعة، بدليل قوله: (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)، والمعنى: متى يرسيها الله، (إِنَّما عِلْمُها) أي: علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به، لم يخبر به أحداً من ملكٍ مُقرّبٍ ولا نبيّ مرسل، يكاد يخفيها من نفسه، ليكون ذلك أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية، كما أخفى الأجل الخاص، وهو وقت الموت، لذلك (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) أي: لا تزال خفية، لا يظهر أمرها ولا يكشف خفاء علمها إلا هو وحده إذا جاء بها في وقتها بغتة، لا يجليها بالخبر عنها قبل مجيئها أحدٌ من خلقه، .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا أثقل من الساعة): يعني: إنما استعير (مرساها) لإثبات (الساعة) وإقرارها، والرسو إنما يستعمل في الأجسام الثقيلة: كالجبل، وأنجر السفينة، لأن "الساعة" أيضًا ثقيلة في المعنى، ولا أثقل منها. قال الله تعالى: (ويَذَرُونَ ورَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً) [الإنسان: 27]. ولهذا قال بعدها: (ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ) فجعل السموات والأرض ظرفًا لها، تشبيهاً للمعاني بالأجسام. ووجه التشبيه: أن كل شيءٍ لا يطاق ولا يقام له فهو ثقيل، كما صرح به.
قوله: ((لا يجليها لوقتها إلا هو))، "اعلم أن قوله: (لوقتها) حال من فاعل (يجليها)، واللام فيه - أي: في (لوقتها) - مثلها في قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) وهي للتأقيت. قاله القاضي.

الصفحة 692