كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

وقيل: إن قريشاً قالوا له: إن بيننا وبينك قرابة، فقل لنا متى الساعة؟ فقيل: يسألونك عنها كأنك حفيٌّ تتحفى بهم، فتختصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة، وتزوي علمها عن غيرهم، ولو أُخبرت بوقتها لمصلحةٍ عرفها الله في إخبارك به، لكنت مبلغه القريب والبعيد من غير تخصيص، كسائر ما أوحي إليك.
وقيل: كأنك حفيٌّ بالسؤال عنها تحبه وتؤثره، يعنى أنك تكره السؤال عنها، لأنها من علم الغيب الذي استأثر الله به، ولم يؤته أحداً من خلقه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا معنى قول مجاهد: "استخفيت عنها السؤال، حتى علمت"، لأن "حتى" للتدرج. وقراءة ابن مسعود: "كأنك حفي بها" لأنه ضمنه معنى العلم الذي هو بمعنى الإحاطة، كقوله: (وأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12]، وعداه بالباء.
وأما إذا علق (عنها) بـ (يسألونك)، فمتعلق (حفى) إذا الباء المقدرة.
ثم لا تخلو (حفى) إما أن تضمن معنى العلم مع الباء المقدرة، كقراءة ابن مسعود، وهو المراد بقوله: " (يسألونك كأنك حفى عنها): أي عالم بها"، وإما أن تجعل من قولهم: حفي بفلان، وتحفى به: بالغ في البر به، ثم مدخول الباء إما ضمير السائل فهو المراد من قوله: " (كأنك حفى عنها): تتحفى بهم، فتختصهم بتعليم وقتها"، أو ضمير السؤال، وهو المراد من قوله: "كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه وتختاره".
قال الزجاج: "كأنك فرح بسؤالهم، يقال: تحفيت بفلان في المسألة: إذا سألت سؤالاً أظهرت فيه المحبة والبر به".
قال أبو البقاء: " (حفي عنها) فيه وجهان: أحدهما تقديره: (يسألونك كأنك حفي عنها)،

الصفحة 695