كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

فإن قلت: لم كرر (يسئلونك) و (إنما علمها عند الله)؟ قلت: للتأكيد، ولما جاء به من زيادة قوله: (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها)، وعلى هذا تكرير العلماء الحذاق في كتبهم، لا يخلون المكرر من فائدةٍ زائدة، منهم محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أنه العالم بها، وأنه المختص بالعلم بها.
[(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)].
(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي) هو إظهارٌ للعبودية، والانتفاء عما يختص بالربوبية من علم الغيب، أي: أنا عبدٌ ضعيفٌ لا أملك لنفسي اجتلاب نفعٍ ولا دفع ضررٍ كما المماليك والعبيد، (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ربي ومالكي من النفع لي والدفع عني، (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) لكانت حالي على خلاف ما هي عليه، ومن استكثار الخير، واستغزار المنافع،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: معني بطلبها، فقدم وأخر. والثاني: أن "عن" بمعنى الباء، أي: حفي بها، و (كأنك) حال من المفعول. (حفي) بمعنى "محفو)، و"فعيل" بمعنى: فاعل".
قوله: (لا يخلون المكرر من فائدةٍ): قال في "الانتصاف": "وفي التكرير نكتة لا توجد إلا في القرآن، فإنه إذا بني الكلام على مقصد، واعترض في أثنائه عارض، وأريد الرجوع لتتمة المقصد الأول، وقد بعد، طري لتتصل النهاية بالبداية، فإنه تعالى ابتدأ بقوله: (يسألونك عن الساعة)، وطال الكلام، إلى قوله: (بغتة)، وأراد إنكار سؤالهم بوجه آخر، هو قوله: (كأنك حفي) وتعلقه قوي بالسؤال، فطري، وغالب التطرية بإجمال، ولهذا قال: (يسألونك) ولم يذكر "الساعة"، اكتفاءً بما تقدم، وأعاد: (إنما علمها عند الله) مجملاً".

الصفحة 696