كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

كما يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه لكونه بضعةً منه، وقال: (لِيَسْكُنَ) فذكر بعد ما أنث في قوله: (واحدةٍ)، (منها زوجها)، ذهاباً إلى معنى "النفس" ليبين أن المراد بها آدم، ولأن الذكر هو الذي يسكن إلى الأنثى ويتغشاها، فكان التذكير أحسن طباقاً للمعنى.
والتغسي: كنايةٌ عن الجماع، وكذلك الغشيان والإتيان، (حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً) خف عليها، ولم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى، ولم تستثقله كما يستثقلنه، وقد تسمع بعضهن تقول في ولدها: ما كان أخفه على كبدي حين حملته!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بضعة منه)، الجوهري: "البضعة: القطعة من اللحم، هذه بالفتح، وأخواتها بالكسر، مثل: القطعة والفلذة".
قوله: (فكان التذكير أحسن طباقًا): قيل: لو أنث الضمير في (ليسكن) لتوهم أن فاعله ضمير الزوج، والضمير المجرور للنفس، وأدى إلى أن الأنثى هي التي تسكن إلى الذكر، والشأن خلافه، وقلت: وفيه نظر.
وإنما عطف المصنف "ويتغشاها" على "ويسكن" ليؤذن بالبيان والتفسير. والسكون على هذا الوجه غير السكون على الأول، لأنه كالمقدمة للجماع، وما به يتوصل الرجل إلى ما يريده من المرأة.
فالفاء في (فلما تغشاها) للتعقيب، كقوله تعالى: (فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [البقرة: 54]، فذكر الضمير مراعاةً للفظ والمعنى.

الصفحة 698