كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من لا يراد أنه معبود. فعلى هذا قوله تعالى: (فتعالى الله عما يشركون) ابتداء كلام، وأراد به إشراك أهل مكة، ولئن أراد به ما سبق، فمستقيم من حيث كان الأولى بهما ألا يفعلا ما أتيا به من الإشراك في الاسم".
وقلت: يدفع هذا قوله تعالى: (أيشركون ما لا يخلق شيئًا)، فإنه في الأصنام قطعاً، بل القول: إنه ابتداء كلام، وتمام تقريره أن يقال: إن قوله تعالى: (خلقكم من نفسٍ واحدةٍ) كلام وارد على النفس الواحدة وزوجها، مضمن للامتنان عليهما، وطلب الشكر، والتفادي عن الكفران، ولإلزامهما على أنفسهما الشكر، على سبيل المبالغة، على ما دل عليه قوله تعالى: (من الشاكرين) أي: من زمرتهم. وقوله تعالى: (فلما أتاهما صالحاً جعلا له شركاء) الجملة الشرطية مرتبطة بما قبلها بالفاء، وجملة الكلام مفرغ في قالب واحد، على سنن قوله تعالى: (وتجعلون رزقكم) - أي: شكر رزقكم - (أنكم تكذبون) [الواقعة: 82]. فلو أجري (جعلا له) على غير ما أجري عليه الأول، لاختل النظام، وفات المقصود من الإيراد.
وأما الهرب من إثبات ذلك الشرك لآدم وحواء فبعيد من البليغ المحيط بأساليب البلاغة، فإن باب التشديد والتغليظ غير مسدود، وإنما لزم الفساد أن لو حمل على الشرك الحقيقي.
وأما جمع الضمير في (عما يشركون) فإن الفاء السببية التي تستحق أن تسمى بالفاء الفصيحة في قوله تعالى: (فتعالى الله عما يشركون) تقتضي أن يجري الكلام على مشركي مكة، لأنها مع متعلقها المحذوف كالتخلص من قصة آدم وحواء، إلى توبيخ المشركين،

الصفحة 703