كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك". وعن جعفر الصادق: أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.
[(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أغرب منه، وأصعب متناولاً، وكذلك ينبغي أن يكون، لأن القرآن مادته عامة، والحديث القدسي مادته خاصة، (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) [البقرة: 60].
قوله: (أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق): هو من حديث مالك، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". أخرجه الإمام مالك في "الموطأط.
أما بيان أن هذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق، فلأن الخلق - بضم اللام وسكونها -: الطبع والسجية. وحقيقته: أن الإنسان له صورة باطنة، وهي نفسه، ولها صفات حسنة، وصفات قبيحة، وعليهما يترتب الثواب والعقاب في الآخرة. والأنبياء بعثوا لتغيير الصفات القبيحة إلى الحسنة، ليتخلص الناس من العقاب، ويخلصوا إلى الثواب. ولا شك أن نبينا صلوات الله عليه خاتمهم، بعث لإتمام ما دعوا الناس إليه، و"كان خلقه القرآن"، كما روي عن عائشة رضي الله عنها، فدعا الناس بخلقه إلى صراط مستقيم. فالمدعو إما: مؤمن موافق، أو مخالف؛ فالمخالف إما معاند أو غير معاند، وطريق الدعوة مع الفرقة الأولى بأداء العبادات، وتزكية النفس من الرذائل، وتحليتها بالفضائل، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وامُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعراف: 199]. ومع الثانية بالمداراة والمساهلة وإرخاء العنان، وهو المراد بقوله تعالى: (خُذِ العَفْوَ) [الأعراف: 199].
وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ) الآية [آل عمران: 64].

الصفحة 719