كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته، (تَذَكَّرُوا) ما أمر الله به ونهى عنه، فأبصروا السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم، ولم يتبعوه أنفسهم. وأما "إخوان الشياطين" الذين ليسوا بمتقين، فإن الشياطين (يمدونهم في الغي)، أي: يكونون مدداً لهم فيه ويعضدونهم. وقرئ: (يمُدّونهم) من الإمداد، و"يمادّونهم"، بمعنى: يعاونونهم، (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ): ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) تذييل للكلام السابق، وتوكيد لمعناه، ومن ثم صرح بذكر العادة.
ثم الخطاب في قوله تعالى: (وإما ينزغنك) إما أن يكون مختصاً برسول الله صلي الله عليه وسلم هو الظاهر، إذ التقدير: (خُذِ العَفْوَ وامُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ)، وإن اعتراك غضب فاستعذ بالله. فالمناسب أن يراد بـ"المتقين" المرسلون من أولي العزم، كما قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الاحقاف: 35]، أو يكون عاماً على طريقة: "بشر المشائين إلى المساجد بالنور التام"، أو خاصاً يراد به العام، كنحو: (ْيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) [الطلاق: 1]، فالمتقون حينئذ: الصالحون من عباد الله.
قوله: (إذا أصابهم أدنى نزغٍ): الجملة من الشرط والجزاء بيان للجملة قبلها، وهي: "أن المتقين هذه عادتهم".
قوله: (وقرئ "يمدونهم" من الإمداد) نافع، يقال: مد الدواة وأمدها: زادها ما يصلحها. ومده الشيطان في الغي، وأمده: إذا أوصله بالوساوس حتى يتلاحق غيه.

الصفحة 723