كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

[(وَإِذا لَمْ تَأتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)].
اجتبى الشيء، بمعنى جباه لنفسه: أي: جمعه، كقولك: اجتمعه، أو جُبي إليه فاجتباه: أي: أخذه، كقولك: جليت إليه العروس فاجتلاها، ومعنى (لَوْلا اجْتَبَيْتَها):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً، الكلام في الأصل جار على المشركين المعاندين، كما سبق، وأن قوله: (إن الذين اتقوا) وقوله: (وإخوانهم يمدونهم) بعد ذكر العفو، والأمر بالعرف، والإعراض، ونزغ الشيطان، والاستعاذة، كالتخلص منه إلى ذكر ما ابتدئ له الحديث.
وفيه: أنه يجب عليك، أيها الداعي البشير النذير، إذا لحقك منهم أذى أن تعفو عنهم، وإن اعتراك غضب يحملك على الانتقام فذاك نزغة من الشيطان ونخسة، فإن الشيطان ليس له عليك سلطان، سوى هذه النسخة التي إذا استعذت بالله بطلت، لأنك من المخلصين من عباده، لكن هؤلاء المشركين هم الذين اتبعوا الشياطين، فلا يفارقونهم، كالأخ لشقيقه. والشياطين أيضاً لا يقصرون في غيهم، يمدونهم غياً بعد غي.
ومن ذلك أنك إذا أعرضت عنهم، وتركتهم، ولم تأتهم بآية، قالوا لك: (لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا) [الأعراف: 203] ولا غي بعد اقتراح الآيات مع الاستهزاء، قل: إن آيتي هذا الكتاب المعجز الظاهر لمن له بصيرة، يميز بين الحق والباطل، ويفرق بين الافتراء والصدق المحض، وهدى ورحمةً لمن آمن بأنه من عند الله، وليس بافتراء.
وفيه تعريض بهؤلاء الكفرة أن لا بصائر لهم ولا هداية، وأنهم من أهل غضب الله والآيسين من رحمته، حيث لم يرفعوا به رأساً، كقوله تعالى: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلاَّ الفَاسِقِينَ) [البقرة: 26].
قوله: (أوجبي إليه فاجتباه)، الراغب: "جببت الماء في الحوض: جمعته. والحوض

الصفحة 726