كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

وهو مطابقٌ للغدوّ (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه.
[(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِه ِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)].
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) هم الملائكة صلوات الله عليهم، ومعنى (عِنْدَ): دنوّ الزلفة، والقرب من رحمة الله تعالى وفضله، لتوفرهم على طاعته وابتغاء مرضاته، (وَلَهُ يَسْجُدُونَ): ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره، وهو تعريضٌ بمن سواهم من المكلفين.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من «قرأ سورة الأعراف جعل الله يوم القيامة بينه وبين إبليس ستراً، وكان آدم شفيعاً له يوم القيامة».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مطابق للغدو) لأن الأصل أن يقال: بالغدوات، جمع "غدوة"، ليطابق "الآصال" في الجمع. وأما على هذه القراءة فهما مفردان.
قوله: (وهو تعريض بمن سواهم من المكلفين): يعني: دل تقديم متعلق (يسجدون) عليه، على أن غيرهم لا يختصونه بالسجود، بل يشركون معه غيره.
وقلت: يمكن أن يقال: إن التقديم لمراعاة الفواصل، وإن الآية بتمامها تعريض، لأن وزان قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ) الآية، مع قوله: (واذكر ربك في نفسك) الآية، وزان قوله: (فَإنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ وهُمْ لا يَسْأَمُونَ) [فصلت: 38]، مع قوله: (واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) [فصلت: 37] في ترتب الثاني على الأول، والمخالفة بالفاء والاستئناف لا تمنع العلية.

الصفحة 730