كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
المعنى: ايتوا بالعبادة على سبيل التضرع والاستكانة، واستشعار الخوف سراً، والخفض من الصوت جهراً، لأن المطلوب المواطأة بين السر والعلانية، في التواضع والمداومة، فإن لم تأتوا بالعبادة على هذا الوجه، فاعلموا أنا مغنون عنكم، لأن لنا عباداً مكرمين مقربين، دأبهم وعادتهم التواضع وعدم الاستكبار في جميع أحوالهم.
وبهذا ظهر أن القول بالمداومة في الغدو والآصال هو الوجه. ويدل عليه قوله تعالى: (ولا تكن من الغافلين)، والتعريض بالأفعال المضارعة، أي: (يستكبرون)، و (يسبحونه)، (وله يسجدون) لأنها تدل على أن عدم الاستكبار، والتسبيح، والسجدة، دأبهم وعادتهم، كقوله تعالى: (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ وهُمْ لا يَسْأَمُونَ) [فصلت: 38].
وفي الآية الدلالة على أن الأصل في الذكر اللساني مراعاة سلوك القصد والاعتدال، ونظيره وله تعالى: (ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخَافِتْ بِهَا وابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) [الإسراء: 110].
وأما قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً) [الأعراف: 55] فمختص بالدعاء، واستنزال الإجابة، هذا إذا جعل الخطاب في قوله: (واذكر ربك) عاماً، نحو قوله صلوات الله عليه: "بشر المشائين إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة". وأما إذا جعل مختصاً برسول الله صلي الله عليه وسلم، تأديباً له، وتأسياً لأمته، وإظهاراً لبيان مكانته ومنزلته، فيكون في الآيات إشعار بمراتب الذكر، وبيان درجات الذاكرين، بحسب تفاوت منازلهم ومقاماتهم، قوله تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعا) إشارة إلى أعلى المراتب، وهو حصة الواصلين المشاهدين، وقوله: (ودون الجهر من القول) هي المرتبة الوسطى، وهي نصيب السائرين إلى مقام المشاهدة، وقوله: (ولا تكن من الغافلين) إيماء إلى مرتبة النازلين من السالكين.

الصفحة 731