كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 6)

ألتفتُ إليها حتى تلقاني جدارُ بني خُدْرَة، فهشم وجهي، وسال الدم، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا على تلك الحالة، فقال: "مَهُيَم؟ "، فأخبرتُه فقال: "لا تَعُدْ، فإن الله إذا أراد بعبدٍ خيرًا عَجَّلَ له عُقوبتَه في الدنيا".
قال: ثم مرَّ بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ليالٍ وأنا جالس مع شَوابّ من شَوابّ أهل المدينة، يُناشِدْنَني ويُضاحِكُنَني ويُمازِحْنَني، فمضى ولم يقل شيئًا، فلما أن كان من الغد غَدوتُ عليه فقال: "يا خَوَّات، أما آن لذلك البعير أن يَرجعَ عن شُروده؟ " قال: قلت: والله يا رسول الله ما شَرد منذ أسلم، قال: "صدقت، ولكن لا تَعُدْ إلى ذلك المجلس؛ فإنه مَجلسُ الشيطان".
ومعنى الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لامه على مُجالسة النِّساء.
وأنبأنا غير واحد عن إسماعيل بن أحمد بإسناده عن وهب بن جرير، عن أبيه قال: سمعتُ زيد بن أسلم يحدِّث: أن خَوَّات بنَ جُبَير قال: خرجتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مَرَّ الظَّهران، فخرجتُ من خِبائي، فإذا نِسوةٌ يتحدَّثْن فأعحَبْنَني، فأخرجتُ حُلَّةً لي من عَيبتي فلبستُها، ثم جلستُ إليهنّ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قُبَّته فقال: "أبا عبد الله، ما يُجِلسُك إليهن؟ " قال: فهِبتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: يا رسول الله، جَملٌ لي شَرُود أبتغي له قَيدًا.
قال: فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودخل الأراك فقضى حاجتَه، وخرج فتوضّأ ثم قال: "أبا عبد الله، ما فعل شِراد جَملك؟ "
قال: فتعجَّلْتُ إلى المدينة، واجتنبتُ دخولَ المسجد ومُجالسةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما طال ذلك عليَّ تحيَّنْتُ ساعة خلوة المسجد، فجعلتُ أصلّي، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض حُجَر نِسائه، فصلّى ركعتَين خفيفتين، ثم جلس، وطَوَّلْتُ رجاءَ أن يَذهبَ ويَدَعني، فقال: "طَوِّل أبا عبد الله ما شئتَ، فلستُ ببارحٍ حتى تَنصرف"، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: "أبا عبد الله ما فعل شِرادُ جَملك، أو ما فَعل شِرادُك؟ " فقلت: والذي بعثك بالحق ما شَرَد ذلك الجمل منذ أسلمتُ، فقال: "رحمك الله" مَرّتين أو ثلاثًا، ثم أمسك عنّي فلم يَعُدْ (¬1).
¬__________
(¬1) نقل المصنف القصتين عن المنتظم 5/ 170 - 172.

الصفحة 428