كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 6)

ذكرت [ثلاثًا] قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالهن له؛ فلن أسُبّه أبدًا، لأن تكون لي واحدةٌ منهن أحبّ إليّ من حُمْر النَّعَم، فذكر حديث الراية يوم خيبر - وسنذكره بعد هذا - ولما نزل قوله تعالى {فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} الآية [آل عمران: 61] دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًّا وفاطمة والحسن والحسين وقال: "اللهم هؤلاء أهلي"، وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبيَّ بعدي" (¬1).
وقد أخرجه ابن سعد بإسناده عن أبي سعيد قال: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك، وخلّف عليًّا في أهله، فقال بعض الناس: ما منعه أن يخرج به إلا كره صُحبَته، فبلغ ذلك عليًّا، فذكره لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "يا ابن أبي طالب، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" (¬2).
وأخرجه أحمد بن حنبل في "الفضائل" عن ابن بُريدة، عن أبيه (¬3) قال: خرج علي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثَنيَّة الوداع يبكي ويقول: خلَّفتَني مع الخَوالِف؟ ما أحبُّ أن تخرج في وَجْهٍ إلا وأنا معك، فقال له: "ألا ترضى ... " وذكره.
وقال الزهري: إنما خلفه في أهله كما فعل موسى بأخيه هارون لما ذهب إلى المِيقات، وكانت المدينة قد خلت من الرجال، فخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها، فتحدَّث المنافقون وأرجفوا وقالوا: ما تركه إلا لأنه كَرهه، فقال: "أنت خليفتي في أهلي".
وقوله: "لا نبيّ بعدي" إشارة إلى نَسْخ الشرائع بشرعه.
وإنما قال معاوية لسعد: ما منعك أن تَسُبَّ أبا تراب؛ لأنه أراد أن يستَفْسِر منه هل يرى ذلك أم لا؟ وكان معاوية يسبُّ أمير المؤمنين، فتورّع سعد عن ذلك.
وذكر المسعودي في كتاب "مروج الذهب" (¬4): أن سعدًا لما قال هذه المقالة
¬__________
(¬1) صحيح مسلم (2404) (32).
(¬2) طبقات ابن سعد 3/ 22.
(¬3) كذا قال، وإنما أخرجه أحمد (1006) عن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد بن أبي وقاص، وأما حديث بريدة فلفظه عند أحمد (1007): من كنت مولاه فعلى مولاه.
(¬4) 5/ 40 - 42.

الصفحة 439