كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 6)

غيري، فناديت: يا معاشر المسلمين، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأومأ إليَّ: أن اسكُت، وقد ذكرناه في غَزاة أُحد.
وكان كعب شاعرًا مُفْلِقًا، قال ابن سعد بإسناده عن محمد بن سيرين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى كعبَ بن مالك على جَمل قد شنق له حتى بلغ رأس المَوْرِك، فقال: أين هو؟ فجاء من خلفه فقال: "هِيه"، فأنشده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَهو أشَدُّ عليهم من وَقْعِ النَّبْلِ" (¬1).
وقال أحمد بن حنبل بإسناده عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه: أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، قد أنزل الله في الشعر ما أنزل، فكيف أصنع؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن يُجاهد بنَفْسه وبسيفه وبلسانه، والذي نفسي بيده، لكأنَّ ما تَرمونهم به نَضْحُ النَّبْل" (¬2).
وقال ابن سعد بإسناده عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: لما حَضرتْ كعب بنَ مالك الوفاةُ أتَتْه أمُّ بِشر بن البَراء بن مَعْرور، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، إن لَقيتَ ابني فلانًا فأقرئه مني السلام، فقال: يغفر الله لك يا أمَّ بِشر، لنحن أشغلُ من ذلك، فقالت: أما سمعتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أرواحَ المؤمنين طيرٌ خُضرٌ تَعْلُق من شجر الجنة"؟ قال: بلى، قالت: فهو ذاك (¬3).
قلت: الحديث المشهور: "إن أرواح الشهداء" (¬4)، وإنما وقع هذا الحديث كذا.
وقال ابن سعد بإسناده عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه كعب بن مالك: أنه كان له على عبد الله بن أبي حَدْرَد الأَسلميّ مالٌ، فلَقيه فلَزِمه، فتكلّما حتى ارتفعتْ
¬__________
(¬1) طبقات ابن سعد 4/ 395، وقوله: حتى بلغ رأس المورك؛ معناه: بالغ في جذب رأس الجمل إليه ليكفه عن السير.
(¬2) مسند أحمد (27174).
(¬3) طبقات ابن سعد 4/ 393 - 394.
(¬4) أخرجه أحمد (27166)، والترمذي (1641).

الصفحة 499