كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 6)

سلْ تُعْطَه"، فقال عمر - رضي الله عنه -. فقلتُ: والله لأَغدُونَّ عليه ولأُبَشِّرنّه، قال فغدوتُ إليه، فإذا أبو بكر قد سَبقني إليه فبَشَّره، لا والله، ما سابَقتُه إلى خيرٍ قط إلَّا سَبقني إليه (¬1).
وأقبل ابنُ مسعود ذات يومٍ وعمر رضوان الله عليه جالس، فقال: كُنَيفٌ مُلِئ عِلمًا.
قال الشعبي: ذكروا أن عمر بن الخطاب لَقي رَكبًا في سَفر له، فيهم عبد الله بنُ مسعود، فأمر عمر رجلًا يُناديهم: من أين القوم؟ فأجابه عبد الله: أقبلْنا من الفَجِّ العَميق، قال: فأين تُريدون؟ قال عبد الله: البيتَ العَتيق، فقال عمر: إن فيهم عالمًا، ثم أمر رجلًا فناداهم: أيُّ القرآن أعظم؟ فأجابه عبد الله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] حتَّى ختم الآية، قال: فناداهم: أيُّ القرآن أحكم؟ فقال ابن مسعود: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الآية [النحل: 90]، فقال عمر: نادِهم، أيُّ القرآن أجمع؟ فقال ابن مسعود: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7)} الآية [الزلزلة: 7]، فقال عمر: نادهم؛ أيُّ القرآن أخوف؟ فقال ابن مسعود: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} الآية [النساء: 123]، فقال عمر: نادهم؛ أيُّ القرآن أرجى؟ فقال ابن مسعود: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53]، فقال عمر: نادهم، أفيكم ابنُ مسعود؟ قالوا: اللَّهمَّ نعم.
سُئل علي رضوان الله عليه عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، فقال: انتهى إليه علمُ القُرآن والسُّنَّة.
قال أبو الأحوص: شهدتُ أبا موسى وأبا مسعود حين مات ابن مسعود أحدُهما يقول لصاحبه: أتُراه تَرك مثلَه؟ قال: إن قلتَ ذلك، إن كان لَيُؤذَن له إذا حُجِبنا، وَيشهَدُ إذا غِبْنا.
كان أبو موسى يقول: لا تَسألوني عن شيءٍ ما دام هذا الحَبْر فيكم، يعني ابنَ مسعود.
قال مَسروق: انتهى عِلم الصّحابة إلى ستَّةِ نَفر: عمر، وعلي، وعبد الله، وأبي بن كعب، وأبي الدَّرداء، يزيد بن ثابت، ثم انتهى علم هؤلاء إلى رجلين: علي وعبد الله.
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد (175).

الصفحة 7