كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 6)
باب [بيانِ] (¬1) رَفْعِ الإثم عن النائم والناسي لصلاته، وأنَّه ليس فيها تفريطٌ، وأن التفريط فيمن يَتْرُكُ أداء فَرْضِه حتى يدخل وقتُ صلاةٍ أخرى (¬2)، وإيجابِ إعادَتِها على مَنْ نام عنها من الغد لوقتها بعدما يقضيها عند استيقاظه، وبيانِ الخبرِ الدّالِّ على إباحة ترد إعادتها من الغد، وأنه يكفيه أداؤُها عنه انتباهه من نومه، والدليل على كراهية الصلاةِ المكتوبةِ إذا بَزَغَتِ الشمسُ حتى ترتفع، وبيانِ الخبرِ المعارضِ، المُبِيْحِ لأداءِ صلاةِ المكتوبةِ التي نام عنها أو نسيها في ذلك الوقت، والدليلِ على إباحةِ قضاء صلاةِ التطوُّع قَبْل المكتوبة إذا فات وقتُها، وإجازة (¬3) النافلة وهو يَذْكر صلاةً فائتةً، وأداؤ (¬4) ها مع الفريضة الفائتة كما كان يُصَلِّيْها في وقتها
¬_________
(¬1) (بيان) من (ل) و (م).
(¬2) في (ل) و (م): (حتى يدخل -وفي (م): تدخل- وقت الصلاة الأخرى).
(¬3) في (ل) و (م) زيادة (الصلاة) وفي (م): الفاضلة) بدل: (النافلة).
(¬4) كذا في الأصل و (س) -مرفوعًا- والأنسب أن تكون (أدائها) لكونها معطوفة على جملة "رفع الإثم ... " وما بعدها من الجمل المجرورة لإضافة كلمة "بيان" إليها. [وفي (ل) و (م) بدون علامة الرفع والجر].
2142 - ذكر أحمدُ بن سعيد (¬1) قال: ثنا
-[54]- عبيد الله (1) بن عبد المجيد، قال ثنا: سَلْم بن زَرِير (¬2) قال: سمعت أبا رجاء العطاردي (¬3)، عن عمرانَ بن حُصَيْن قال: "كنت مع نبيِّ الله -صلى الله عليه وسلم- في مَسِيْرٍ (¬4) له،.
-[55]- فأَدْلَجْنا (¬5) لَيْلَتَنَا، حتى إذا كان في وجه الصبح عَرَّسْنَا، فغلَبَتْنا أَعْيُنُنَا، حتى بَزَغَتِ (¬6) الشمسُ فكان (¬7) أوَّلَ من استيقظ (¬8) منا أبو بكر [-رضي الله عنه-]، (¬9)، وكنَّا لا نوقظ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- مِنْ منامه إذا نام حتى يَسْتَيْقِظَ، ثم استيقظ عمر، فقام عند نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يُكَبِّرُ ويرفع صوته (¬10) حتى استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رفع رأسه ورأى الشمسَ قد بَزَغَتْ قال (¬11):
-[56]- "ارتحلوا" فسار بنا حتى إذا ابْيَضَّتِ الشمسُ نزل فصلى بنا الغداة، فاعتزل رجل (¬12) من القوم يصل معنا، فلما انصرف قال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا فلان ما (¬13) منعك أن تصلي معنا؟ "، قال: يا نبي الله أصابتني جنابة؛ فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَتَيَمَّمَ بالصعيد، فصلى، ثم عجَّلني في رَكْبٍ بين يديه نطلب الماء. . .". وذكر الحديث (¬14).
حدثنا أبو الأحوص -صاحبنا-: إسماعيل بن إبراهيم (¬15)، قال: ثنا أبو الوليد (¬16)، ح
وفيما (¬17) كتب إليّ محمدُ بن أيوب بن يحيى بن ضُرَيْسٍ (¬18) بخطه، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا سَلْم بن زَرِير (¬19)، قال: سمعتُ أبا رجاء قال: ثنا
-[57]- عمران بن حصين (¬20)، "أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أدْلَجُوا لَيْلَتَهم حتى إذا كان في وجه الصبح عرّسوا، فغلبَتْهم أعْيُنُهم، حتى ارتفعت الشمس، وكان أَوَّلَ من استيقظ من منامه أبو بكر، وكان لا يوقَظ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من منامه، حتى استيقظ عمر [-رضي الله عنه-] (¬21)، فقعد عند رأسه، فجعل يكبر ويرفع صوته، حتى استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما استيقظ فرأى الشمس قد بزغت، قال: "ارتحلوا، فسار بنا حتى ابيضت الشمس، نزل فصلَّى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يُصَلِّ معنا، فلما انصرف قال: "يا فلان، ما منعك أن تصلي معنا؟ " قال: يا رسول الله أصابتني جنابة، فأمره أن يتيمم بالصعيد، قال: ثم صلى، قال: وعجلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رَكْبٍ بين يديه، أطلب الماء، وقد عطشنا عطشًا شديدًا، فبينا نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلةٍ رجلَيْها بين مزادتين (¬22)، فقيل لها: أين الماء؟ فقالت: إيْهِيْه إيهيه (¬23)، لا ماء!،
-[58]- قلنا: كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة، قلنا: انطلقي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: وما النبي؟ فلم نُمَلِّكْهَا (¬24) من أمرها شيئًا حتى استقبلنا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحدَّثَتْه بمثل الذي حدّثَتْنا، غير أنها حدثته أنها مُؤْتِمةٌ (¬25)، فأمر (¬26) بمزادتيها فمج في العَزْلاَوَيْن (¬27) العُلْيَاوَيْن (¬28)، فشربنا ونحن عِطاش أربعين (¬29) رجلًا، ومَلأْنا كلَّ قِرْبَة معنا
-[59]- وإداوة (¬30)، ثم غسَّلنا صاحبنا (¬31)؛ غير أنا لم (¬32) نسق بعيرًا منها، وهي تكاد تَنْضَرِج إلى (¬33) الماء. ثم قال: هاتوا ما عندكم، فجمع لها من الكِسَر (¬34) والتمر حتى صرّ لها صُرَّة (¬35)، فقال: اذهبي فأطعِمِيْ هذا
-[60]- عيالَكِ، واعلَمِي أنا لم نرزأْ (¬36) من مائك شيئًا. قال: فلما أتت أهلَها قالت: لقد لقيت أسْحَرَ الناسِ، أو هو نبيُّ كما زعموا، فهدى الله ذلك الصِّرْمَ (¬37) بتلك المرأةِ، فأسلَمَتْ وأسلَموا (¬38).
قال أبو عوانة: "إنها مؤتمة" يعني: لها صبيان أيتام.
¬_________
(¬1) ابن صخر الدارمي أبو جعفر السرخسي، وهو من شيوخ أبي عوانة المعروفين [انظر: =
-[54]- = تهذيب الكمال (1/ 316)، السير (14/ 418)]، ومع ذلك علق عنه هنا، فلعل روايته هذه لم تقع له عنه فعلَّق عنه، وروى عنه مسلم هذا الحديث في "المساجد"، باب قضاء الصلاة الفائتة. . . (1/ 474) برقم (682).
في الأصل و (ط، س): (عبد الله) مكبرًا، وهو خطأ، والمثبت من (ل) و (م)، وهو الحنفي، أبو الأعلى البصري.
(¬2) هو العطاردي، أبو يونس البصري.
(¬3) هو: عمران بن ملحان -بكسر الميم وسكون اللام، بعدها مهملة- ويقال ابن تيم، أبو رجاء العطاردي مشهور بكنيته، وقيل غير ذلك في اسم أبيه، مخضرم. "ثقة، معمر"، (105 هـ) وله (120) سنة. ع. تهذيب الكمال (22/ 356 - 360)، التقريب (ص 430).
(¬4) اختُلف في تعيين هذا السفر، بناءً على اختلاف الروايات في تعيينه، -ذكرها الحافظ في الفتح (1/ 534) - وقد رجح ابن عبد البر في التمهيد (5/ 204 - 205) بأن القصة واحدة، وقعت مرجعه -صلى الله عليه وسلم- من خيبر -كما سبق عند المصنف برقم (2140) -، وحاول الجمع بين الروايات وغالبه مقبول، وقد تردد الحافظ في ذلك فلم يجزم بشيء، إلا أنه مال إلى التعدد، كما أنه لم يرجح -فيما إذا قيل بالتعدد- رواية على أخرى.
ورجح النووي أنها وقعت مرتين، وهو الذي رجحه عياض. (شرحه لمسلم (5/ 181 - 193).
وهناك مغايرات عديدة بين القصتين من الصعب الجمع بينها، أشار إلى بعضها =
-[55]- = الحافظ، وحاول الجمع بينها الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" فراجعه إن شئت.
والقول بالوحدة لا يخلو من تكلف في جمعها، وسأشير إليها عند المناسبة، والظاهر أنهما قصتان، والله تعالى أعلم.
(¬5) أدْلجنا: بإسكان الدال، وهو سير الليل كله. وأما "ادَّلجنا" -بفتح الدال المشددة- فمعناه: سرنا آخر الليل. . . ومصدر الأول (إدْلاج) بإسكان الدال، والثاني: (ادّلاج) بكسر الدال المشددة. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين (ص 80، 531)، المجموع المغيث (1/ 669)، النهاية (2/ 129)، شرح النووي لمسلم (5/ 190).
(¬6) أي: طلعت الشمس، والبزوغ الطلوع. النهاية (1/ 125)، شرح النووي لمسلم (5/ 190).
(¬7) في (ل) و (م): (وكان).
(¬8) هذا من أوجه المغايرة بين قصة أبي هريرة السابقة برقم (2140)، وبين هذه القصة، فأول من استيقظ هناك هو النبي -صلى الله عليه وسلم- بينما هنا هو أبو بكر -رضي الله عنه- وقصة أبي قتادة الآتية برقم (2144) توافق رواية عمران.
(¬9) من (ل) و (م).
(¬10) في صحيح مسلم هنا زيادة: "بالتكبير".
(¬11) في (ل) و (م): (فقال) والمثبت أنسب، وهو موافق لما في صحيح مسلم.
(¬12) قال الحافظ في الفتح (1/ 537): "لم أقف على تسميته".
(¬13) (ك 1/ 456).
(¬14) رواه -كما سبق- الإمام مسلم بطوله، عن أحمد بن سعيد الدارمي، به، برقم (682).
(¬15) ابن الوليد الإسفراييني.
(¬16) هو الطيالسي.
(¬17) في (م): "ومما".
(¬18) أبو عبد الله البجلي الرازي.
و"ضريس": بضم المعجمة، وفتح المهملة، وسكون التحتانية.
(¬19) هنا موضع الالتقاء، راجع ما سبق من المعلَّق عن أحمد بن سعيد.
وتصحَّف (سلم) في المطبوع إلى (مسلم).
(¬20) في (ل) و (م): (ابن الحصين).
(¬21) من (ل) و (م).
(¬22) السادلة: المرسلة المُدْنِيَة. والمزادة: الظرف الذي يُحْمَل فيه الماء كالراوية والقربة والسطيحة، والجمع: المزاود، والميم زائدة. انظر: النهاية (4/ 324)، شرح النووي (5/ 190 - 191)، إكمال إكمال المعلم للأبيّ (2/ 629).
(¬23) وفي صحيح مسلم: "أيهاه أيهاه"، وفي البخاري (3571) -نسخة الحافظ ابن حجر (6/ 675، مع الفتح) - بلفظ: (إيه)، وضبطه بكسر الهمزة، وسكون التحتانية، وهو =
-[58]- = بمعنى "هيهات" ومعناه: البعد من المطلوب، واليأس منه، كما قالت بعد: "لا ماء" أي: ليس لكم ماء، لا حاضر ولا قريب.
وفي هذه اللفظة لغات كثيرة ذكرها النووي في "تهذيب الأسماء". انظر: النهاية (5/ 29)، شرح النووي (5/ 191)، تهذيب الأسماء واللغات (3/ 188).
(¬24) في (م): (يملكها) وهو خطأ.
(¬25) مؤتمة: بضم الميم وكسر التاء، أي: ذات أيتام، وفي مسلم زيادة: "لها صبيان أيتام"، وكذا فسره أبو عوانة في آخر الحديث.
(¬26) في صحيح مسلم هنا: "فأمر براوِيتَيْها فأنيخت، فمجَّ ... ".
(¬27) (المجُّ): زرق الماء بالفم، و (العزلاء) -بالمد- هو الشعب الأسفل للمزادة الذي يفرغ منه الماء، ويطلق أيضًا على فمها الأعلى كما في هذه الرواية، وتثنيتها: عزلاوان، والجمع: العزالي -بكسر اللام-. انظر: المنتخب من غريب كلام العرب (2/ 453 - باب الأسقية-)، المعلم بفوائد مسلم (1/ 295)، النهاية (3/ 231 - عزل)، (4/ 297 - مجج). شرح النووي (5/ 191)، إكمال المعلم للأبي (2/ 629).
(¬28) سقط من (م) كلمتا: (العلياوين، فشربنا).
(¬29) هكذا في النسخ، ولا يستقيم لغة، والصحيح "أربعون"، وفي صحيح مسلم: "ونحن أربعون رجلًا عطاش"، كلمة "أربعين" ساقطة من (س).
(¬30) الإداوة -بالكسر-: إناء صغير من جلد، يُتَّخَذُ للماء كالسَّطيحة ونحوها، وجمعها أداوي. النهاية (1/ 32 - 33).
(¬31) أي: الجنب، و"غسّلنا" بتشديد السين، أي: أعطيناه ما يغتسل به.
شرح النووي (5/ 191)، شرح الأبي والسنوسي (2/ 630).
وتحرفت كلمة: (منها) في (م) إلى: (منَّا)!! من قوله: "لم نسْق بعيرًا منها".
(¬32) (ك 1/ 457).
(¬33) كذا في النسخ، وفي صحيح مسلم (من) بدل (إلى) وهو الصحيح، لأن الوصف هنا للمزادتين -كما صح ذلك في مسلم- ومعناه: تنشق، و "تنضرج": بفتح التاء، وإسكان النون، وفتح الضاد المعجمة، وبالجيم. ومعناه هنا: تنشق لكثرة امتلائها، وتضاغط ما بها. والانضراج: الانشقاق. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين (ص 61 - 62)، شرح النووي لمسلم (5/ 192).
قلت: وعلى صحة لفظة (إلى) يكون الوصف للإبل، وأنها كادت تنشق من شدة شوقها إلى الماء، ولعلهم لم يسقوها حكمة تقتضي ذلك. والله تعالى أعلم.
(¬34) "الكِسَر": -بكسر الكاف، وفتح السين المهملة -جمع كِسرة -بكسر الكاف-، وهي القطعة من الشيء المكسور. القاموس المحيط (ص 604).
(¬35) أي: شدّ ما جمعه لها في صُرَّة، وهي ما يجمع فيه الشيء ويُشَدُّ، والصرُّ هو: الشَّدُّ، وكل شيء جمعته فقد صررته.
انظر: غريب الخطابي (2/ 196)، المجموع المغيث (2/ 266)، النهاية (3/ 22)، المعجم الوسيط (1/ 512). =
-[60]- = وفي البخاري (344) بلفظ: "فجعلوها في ثوب، وحملوها على بعيرها".
(¬36) في الأصل و (ط) والمطبوع: "لم نرز" بدون الهمزة، وفي (س) كتبت الهمزة فوق الزاي، والمثبت من (ل) و (م)، وهو الصحيح، وهو كذلك في صحيح مسلم، وفي البخاري بلفظ: "ما رزئنا".
و" لم نرزأ": بنون مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم زاي، ثم همزة، أي: لم ننقص من مائك شيئًا. انظر: غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 392)، النهاية (2/ 218)، شرح النووي لمسلم (5/ 192).
(¬37) الصِّرم: -بكسر الصاد- قال أبو عبيد: "يعني: الفرقة من الناس ليسوا بالكثير، وجمعه أصرام". وقال غيره: "الطائفة من القوم ينزلون بإبلهم ناحيةً من الماء، ويقال: هم أهل صرم وصرمة". غريب أبي عبيد (1/ 149)، تفسير غريب ما في الصحيحين (ص 61)، المجموع المغيث (2/ 267)، النهاية (3/ 26).
(¬38) وأخرجه البخاري في المناقب (3571) باب: علامات النبوة في الإسلام- (6/ 671، مع الفتح)، عن أبي الوليد، عن سلم بن زرير.
وفي الطهارة (344) باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء (1/ 533 - 534، مع الفتح)، عن مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن عوف -كلاهما عن أبي رجاء، به، بنحوه.