كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 6)

2168 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أبنا ابن وهب، أن مالكًا (¬1) حدثه، ح
وحدثنا يوسف بن مسلم، قال: ثنا إسحاق بن عيسى (¬2)، قال: أبنا مالك، ح
وحدثنا الدبري، عن عبد الرزاق (¬3)، عن معمر، ح
وحدثنا أبو عمر الإمام، قال: ثنا مخلد بن يزيد، قال: ثنا ابن جريج، كلهم عن الزهري (¬4)، عن عروة، عن عائشة قالت: "ما سبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
-[97]- سُبْحَة الضحى (¬5) قط، وإني لأُسبِّحُها وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَيَدَع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل (¬6) به الناس فيُفرَض (¬7) عليهم" (¬8) (¬9).
¬_________
(¬1) هنا موضع الالتقاء، وراجع التفصيل عند ذكر شيخه "الزهري".
وفي (ل) و (م): (مالك) -بدون النصب-. والحديث في موطأ مالك -رواية يحيى- (1/ 152 - 153) بمثله، إلا أن فيه: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... ".
(¬2) هو: ابن الطباع البغدادي.
(¬3) وهو في مصنفه (4867)، (3/ 78).
(¬4) هنا يلتقي المصنف بالإمام مسلم في جميع الطرق، يرويه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن =
-[97]- = مالك، عن ابن شهاب، به، بنحوه. الكتاب والباب المذكوران (1/ 497) برقم (718).
(¬5) سبحة الضحى: أي: صلاة الضحى.
(¬6) كذا في (س)، وفي مسلم والموطأ، والبخاري (1128)، ومسند أحمد (6/ 178) وأبي داود (1293) (2/ 64) والنسائي في الكبرى (480) (1/ 180) حيث رواه الجميع من طريق مالك.
وفي الأصل و (ل) و (م): (بها)، وليس بصحيح لكون المرجع هو (العمل).
(¬7) كذا في (م)، وأما الأصل و (ل) فلم أتبين مكان النقطتين فيهما، وفي المطبوع، و (س): (فتفرض)، وهو لا يتلائم مع ما قبله [انظر التعليق السابق]، وهو في جميع المصادر المذكورة قبل قليل مثلَ المثبت.
(¬8) وأخرجه البخاري (1128)، (3/ 13 - 14) باب تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - على قيام الليل والنوافل من غير إيجاب، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، به، بمثله، إلا أن جملة: "ما سبّح ... " مؤخرة فيه عن جملة: "وإن كان. . . ليدع".
وأخرجه أيضًا -مختصرًا- (1177) في "التهجد" باب من لم يصل الضحى، ورآه واسعًا، (3/ 67، مع الفتح)، عن آدم، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، به، بنحوه.
(¬9) في (ح / 2169، 2170، 2171) الآتية عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- لما سئلتْ: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى؟ قالت: "نعم، أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله".
وسيأتي في (ح / 2172) أنها سئلت: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى؟ =
-[98]- = قالت: "لا، إلا أن يجيء من مغيبه".
ففي حديث الباب [ح / 2168] نفيٌ منها مطلقًا، وفي (ح / 2169) الإثبات مطلقًا، وفي الحديث الأخير (2172) تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه.
وقد سلك العلماء في هذه الأحاديث طرقًا مختلفة تتلخص في مسلكين:
الأول: مسلك الترجيح:
ذهب جماعة إلى ترجيح ما اتفق الشيخان عليه (وهو حديث الباب)، دون ما انفرد به مسلم، وقالوا: إن نفيها يدل على أنها لم تره -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى في بيتها، وهذا لا يدل على عدم وقوعه، لأن غيرها قد شهده وعَلِمه، فَيُقَدَّمُ قوله على قولها.
وهذا اختيار الأئمة: ابن خزيمة، وابن عبد البر، وغيرهم -رحمهم الله تعالى-.
المسلك الثاني: مسلك الجمع، وقد أتى على وجوه منها:
1 - المراد من نفيها مطلقًا هو نفي مداومته -صلى الله عليه وسلم- عليها وقولها: "وإني لأسبحها" معناه:
أداوم عليها. وهذا رأي البيهقي -رحمه الله تعالى-.
2 - قولها: "ما سبحها" معناه: ما رأيته يصليها، والجمع بينه وبين إثباتها المطلق أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها. وهذا ما ارتضاه القاضي عياض والنووي وغيرهما -رحمة الله عليهم-.
3 - إن نفيها مُنْصَبٌّ على ما ليس له سبب، وأما إثباتها فيرجع إلى فعله -صلى الله عليه وسلم- لهذه الصلاة بسبب، كقدومه من سفر، وفتحه ونحوه.
وهذا ما ارتضاه الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- وطرّده في جميع أحاديث الباب.
وهناك أقوال أخرى ذكرها الحافظ في "الفتح"، وراجع صحيح ابن حبان [الإحسان] و (الأوسط) لابن المنذر).
والذي أميل إليه هو القول الأول، فليس ببعيد أن يخفى عليها -رضي الله عنها- =
-[99]- = صلاته -صلى الله عليه وسلم- في الضحى مطلقًا، أو في غير وقت مجيئه من مغيبه [كما صرح به ابن المنذر]. والله تعالى أعلم بالصواب.
انظر: صحيح ابن خزيمة (2/ 231 - 232)، الأوسط لابن المنذر (5/ 238)، صحيح ابن حبان [الإحسان] (6/ 270 - 271)، السنن الكبرى (3/ 49)، معرفة السنن والآثار (4/ 95 - 96) [كلاهما للبيهقي]، التمهيد (8/ 135)، الاستذكار (6/ 144 - 145) [كلاهما لابن عبد البر]، شرح مسلم للنووي (5/ 228 - 230)، زاد المعاد (1/ 341 - 360)، "إكمال" الأُبِّي، مع "مُكَمل" السنوسي، (3/ 40 - 41)، فتح الباري (3/ 68).

الصفحة 96