أخرجه الطبراني في "الكبير" (¬1) عن ابن عباس. يدل على جواز الرجوع، فاقتضى ذلك الجمع بين الأحاديث بحمل حديث النهي على الكراهة دون التحريم، لا سيما مع ذكر التشبيه في هذه الرواية بعد ذكر الأحقية.
وأخرج الحديث مالك والبيهقي عن ابن عمر (¬2) من دون التشبيه.
وقوله: "ليس لنا مثل السوء". أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} (¬3). وهذا أبلغ في الزجر مما لو قال مَثَلًا: لا تعودوا في الهبة. ولكن ذلك محمول على الكراهة الشديدة؛ تحبيبًا للمسلمين في الاتصاف بمحاسن الأخلاق وأعالي الصفات وهي الجود، وتنزيهًا لهم من الارتباك في رذيلة الشح التي جبلت النفوس عليها وأعمى بصيرتها عن التأمل لحقارة الدنيا وقبح الإخلاد إليها.
759 - وعن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده". رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم (¬4).
¬__________
(¬1) الطبراني 11/ 147 ح 11317.
(¬2) الموطأ 2/ 754 ح 42 من قول عمر، والبيهقي 6/ 180، 181 من حديث ابن عمر مرفوعًا.
(¬3) الآية 60 من سورة النحل.
(¬4) أحمد 1/ 237، 2/ 27، 78، وأبو داود، كتاب البيوع، باب الرجوع في الهبة 3/ 289 ح 3539، والترمذي، كتاب الولاء والهبة، باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة 4/ 384 ح 2132، وابن ماجه، كتاب الهبات، باب من أعطى ولده ثم رجع فيه 2/ 795 ح 2377، والنسائي، كتاب الهبة، باب رجوع الوالد فيما يعطي ولده ... ، وباب ذكر الاختلاف لخبر عبد الله بن عباس فيه، وباب ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته 6/ 265، 267، 268، وابن حبان، كتاب الهبة، باب ذكر البيان بأن هذا الزجر الذي أطلق بلفظ العموم لم يرد به كل الهبات ... 11/ 524 ح 5123، والحاكم، كتاب البيوع 2/ 46.