كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 6)

البخاري (¬1) إلى ذلك فقال: باب تأويل قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}. أي بيان المراد بتقديم الوصية في الذكر على الدَّين مع أن الدين هو المقدم في الأداء، ثم قال البخاري: ويذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية. هذا طرف من حديث أخرجه أحمد والترمذي (¬2) وغيرهما من طريق الحارث وهو الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قضى محمد - صلى الله عليه وسلم - أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرءون الوصية قبل الدين. لفظ أحمد وإسناده ضعيف لكن قال الترمذي: إن العمل عليه عند أهل العلم. وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه، وإلا فعادته ألا يورد الضعيف في مقام الاحتجاج، وقد أورد له شواهد، ولم يختلف العلماء أن الدين مقدم على الوصية إلا في صورة واحدة؛ وهي إذا أوصى لشخص بألف مثلًا وصدقه الوارث وحكم به، ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينًا يستغرق موجوده وصدقه الوارث؛ ففي وجه للشافعية [تقدم] (أ) الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة، والسرّ في تقديم الوصية على الدين في الآية الكريمة هو أنه لما كان الوصية تقع على سبيل البر والصلة، والدين نفع يتعدى الميت بحسب الأغلب، فبدئ بالوصية لكونها أفضل. كذا ذكر السهيلي. وقال غيره: قدمت الوصية لأنه شيء يوجد بغير عوض، والدين يوجد بعوض، فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين، وكان أداؤها مظنة التفريط، بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه، فقدمت
¬__________
(أ) في الأصل، ب: تقديم.
__________
(¬1) البخاري 5/ 377.
(¬2) أحمد 1/ 79، والترمذي 4/ 362، 363 ح 2094.

الصفحة 549