كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 6)

واعلم أنه ذُكر في حده الإيجاب والقبول، ولابد أن يكونا (أ) على صيغة الجزم لفظًا، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: {إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم} (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما البيعُ عن تَرَاضٍ". أخرجه ابن حبان وابن ماجه (¬2).
والرضا أمر خفي لا يُطَّلَعُ عليه، فوجب أن يُناط الحكم بسبب ظاهر يَدُلُّ عليه، وهو الصيغة، ولكنه استثني من ذلك المحقر؛ لجري عادة المسلمين بالدخول فيه من دون لفظ. وقد ذهب إلى ذلك الهدوية، وخُرِّج لابن سُريج من الشافعية، واختاره ابن الصباغ والمتولي والبغوي (¬3)، وادعى في "شرح القدوري" للحنفية الإجماع على كفاية التعاطي في المحقر، وعند الشافعية لا بد من اللفظين فيه كغيره. والمحقر، قال علي خليل (¬4) وأبو مضر: هو ما دون ربع لم المثقال. وقال القاضي زيد: قدر قيراط المثقال فما دون. وقال الدميري في "النجم الوهاج": مَثَّلُوا المحقَّرات بالمشابهة من البقول والرطلِ الخبزِ (ب)، ومنهم من مثَّلها بما دون نصاب السرقة، والأشبه اتِّباعُ العرف. انتهى.
¬__________
(أ) في جـ: يكون.
(ب) في جـ: الخبر.
__________
(¬1) الآية 29 من سورة النساء.
(¬2) ابن حبان 11/ 340 ح 4967، وابن ماجه 2/ 737 ح 2185.
(¬3) ينظر المجموع 9/ 191، وكفاية الأخيار 1/ 456.
(¬4) علي بن خليل الطرابلسي الحنفي، علاء الدين أبو الحسن، فقيه، ولي القضاء بالقدس، من تصانيفه "معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام". معجم المؤلفين 7/ 88.

الصفحة 8