كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 6)
سِوَى مَنْ أُرْسِلَ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَكَانَ بَيْنَ مِيلَادِ عِيسَى وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، بُعِثَ فِي أَوَّلِهَا ثَلَاثَةُ أَنْبِيَاءَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ" «١» [يس: ١٤] وَالَّذِي عُزِّزَ بِهِ" شَمْعُونُ" وَكَانَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ. وَكَانَتِ الْفَتْرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ فِيهَا رَسُولًا أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَنَّ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ خمسمائة سنة وتسعا وستين، وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَنْبِيَاءَ، وَاحِدٌ «٢» مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي عَبْسٍ وَهُوَ خَالِدُ بْنُ سِنَانَ. قَالَ القشيري: ومثل هذا مما لم لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِخَبَرِ صِدْقٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ سِتُّمِائَةِ سنة، وقاله مقاتل والضحاك ووهب ابن مُنَبِّهٍ، إِلَّا أَنَّ وَهْبًا زَادَ عِشْرِينَ سَنَةً. وَعَنِ الضَّحَّاكِ أَيْضًا أَرْبَعُمِائَةٍ وَبِضْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ قَالُوا: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ، وَبَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ، وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ، وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَشَرَةُ قُرُونٍ، وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ، فَهَذَا مَا بَيْنَ آدَمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنَ الْقُرُونِ وَالسِّنِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (أَنْ تَقُولُوا) أَيْ لِئَلَّا أَوْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَقُولُوا، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ." مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ" أَيْ مُبَشِّرٍ." وَلا نَذِيرٍ" أَيْ مُنْذِرٍ. وَيَجُوزُ" مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ" عَلَى الْمَوْضِعِ «٣». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ لِلْيَهُودِ، يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ بِصِفَتِهِ، فَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى وَلَا أَرْسَلَ بَعْدَهُ مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عَلَى إِرْسَالِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ. وَقِيلَ: قَدِيرٌ عَلَى إنجاز ما بشر به وأنذر منه.
---------------
(١). راجع ج ١٥ ص ١٣.
(٢). راجع هامش ص ١٦ من هذا الجزء.
(٣). وزيادة (من) في الفاعل للمبالغة في نفى المجيء. (روح المعاني).
الصفحة 122