كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 6)

يُقَالُ: مَا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ «١» نَكَفٌ وَلَا وَكَفٌ أَيْ عَيْبٌ: أَيْ لَنْ يَمْتَنِعَ الْمَسِيحُ وَلَنْ يَتَنَزَّهَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَلَنْ يَنْقَطِعَ عنها ولن يعيبها.

[سورة النساء (٤): آية ١٧٤]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَسَمَّاهُ بُرْهَانًا لِأَنَّ مَعَهُ الْبُرْهَانَ وَهُوَ الْمُعْجِزَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْبُرْهَانُ هَاهُنَا الْحُجَّةُ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، فَإِنَّ الْمُعْجِزَاتِ حُجَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالنُّورُ الْمُنَزَّلُ هُوَ الْقُرْآنُ، عَنِ الْحَسَنِ، وَسَمَّاهُ نُورًا لِأَنَّ بِهِ تُتَبَيَّنُ الْأَحْكَامُ وَيُهْتَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، فَهُوَ نُورٌ مُبِينٌ، أي واضح بين.

[سورة النساء (٤): آية ١٧٥]
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ" أَيْ بِالْقُرْآنِ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَإِذَا اعْتَصَمُوا بِكِتَابِهِ] فَقَدِ [«٢» اعْتَصَمُوا بِهِ وَبِنَبِيِّهِ. وَقِيلَ:" اعْتَصَمُوا بِهِ" أَيْ بِاللَّهِ. وَالْعِصْمَةُ الِامْتِنَاعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «٣» (وَيَهْدِيهِمْ) أَيْ وَهُوَ يَهْدِيهِمْ، فَأَضْمَرَ هُوَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَقْطُوعٌ مِمَّا قَبْلَهُ. (إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى ثَوَابِهِ. وَقِيلَ: إِلَى الْحَقِّ لِيَعْرِفُوهُ. (صِراطاً مُسْتَقِيماً) أَيْ دِينًا مُسْتَقِيمًا. وَ" صِراطاً" مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ" وَيَهْدِيهِمْ" التَّقْدِيرُ، وَيُعَرِّفُهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى تَقْدِيرِ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى ثَوَابِهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ. وَالْهَاءُ فِي" إِلَيْهِ" قِيلَ: هِيَ لِلْقُرْآنِ، وَقِيلَ: لِلْفَضْلِ، وَقِيلَ: لِلْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ، لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الثَّوَابِ. وَقِيلَ: هِيَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى وَيَهْدِيهِمْ إِلَى ثَوَابِهِ. أَبُو عَلِيٍّ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمَعْنَى وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطِهِ، فَإِذَا جَعَلْنَا" صِراطاً مُسْتَقِيماً" نَصْبًا عَلَى الحال كانت الحال من
---------------
(١). في ج: من نكف.
(٢). في ج وز.
(٣). راجع ج ٤ ص ١٥٦

الصفحة 27