كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 6)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً) الْحَسَنُ:" بَغْتَةً" لَيْلًا" أَوْ جَهْرَةً" نَهَارًا. وَقِيلَ: بَغْتَةً فَجْأَةً. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ بَغَتَهُمُ الْأَمْرُ يَبْغَتُهُمْ بَغْتًا وَبَغْتَةً إِذَا أَتَاهُمْ فَجْأَةً. وَقَدْ تَقَدَّمُ. (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) نَظِيرُهُ" فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ" «١»] الأحقاف: ٣٥] أَيْ هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا أَنْتُمْ لِشِرْكِكُمْ وَالظُّلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الشِّرْكِ، كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ:" يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" «٢»] لقمان: ١٣].

[سورة الأنعام (٦): آية ٤٨]
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أَيْ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. قَالَ الْحَسَنُ: مُبَشِّرِينَ بِسَعَةِ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ" «٣»] الأعراف: ٩٦]. وَمَعْنَى (مُنْذِرِينَ) مُخَوِّفِينَ عِقَابَ اللَّهِ، فَالْمَعْنَى: إِنَّمَا أَرْسَلْنَا الْمُرْسَلِينَ لِهَذَا لَا لِمَا يُقْتَرَحُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآيَاتِ، وَإِنَّمَا يَأْتُونَ مِنَ الْآيَاتِ بِمَا تظهر معه براهينهم وصدقهم. وقوله: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). تقدم القول فيه.

[سورة الأنعام (٦): آية ٤٩]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أَيْ بِالْقُرْآنِ وَالْمُعْجِزَاتِ. وَقِيلَ: بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ) أَيْ يُصِيبُهُمْ (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي يكفرون.

[سورة الأنعام (٦): آية ٥٠]
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠)
---------------
(١). راجع ج ١٦ ص ٢٢٢.
(٢). راجع ج ١٤ ص ٦٢.
(٣). راجع ج ٧ ص ٢٥٣.

الصفحة 429