كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 6)
يُصَعِّدُ فِيهَا وَيُصَوِّبُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهَا فِي طَلَبِ الَّذِينَ وَصَّاهُ بِسَبَبِهِمُ الصِّدِّيقُ، فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ فِي طَلَبِ هَؤُلَاءِ شَهْرًا يَأْخُذُ بِثَأْرِ مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حِينَ ارْتَدُّوا، فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّقَهُ بِالنَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَضَخَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَمَى بِهِ مِنْ شواهق الجبال، كل هذا ليعتبر بِهِمْ مَنْ يَسْمَعُ بَخَبَرِهِمْ مِنْ مُرْتَدَّةِ الْعَرَبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شهاب قال: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ- أَسَدٌ وَغَطَفَانُ- عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، خَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيِّنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ حِطَّةٍ مُخْزِيَةٍ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْحِطَّةُ الْمُخْزِيَةُ؟
قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ وَتُتْرَكُونَ أَقْوَامًا يَتَّبِعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنَيْنِ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، وَتُؤَدُّونَ مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا، وَلَا نُؤَدِّي مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وَتَشْهَدُونَ أَنَّ قتلانا في الجنة وأن قتلاكم فِي النَّارِ، وَتَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا قَوْلُكَ: تَدُونَ قَتْلَانَا، فَإِنَّ قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا دِيَاتِ لهم، فامتنع عُمَرَ وَقَالَ عُمَرُ فِي الثَّانِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ مختصرا.
وقعة أخرى
كَانَ قَدِ اجْتَمَعَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْفُلَّالِ يَوْمَ بُزَاخَةَ مِنْ أَصْحَابِ طُلَيْحَةَ، مِنْ بَنِي غَطَفَانَ فَاجْتَمَعُوا إِلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ زمل- سلمى بنت ملك بْنِ حُذَيْفَةَ- وَكَانَتْ مِنْ سَيِّدَاتِ الْعَرَبِ، كَأُمِّهَا أُمِّ قِرْفَةَ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِأُمِّهَا الْمَثَلُ فِي الشَّرَفِ لِكَثْرَةِ أَوْلَادِهَا وَعِزَّةِ قَبِيلَتِهَا وَبَيْتِهَا، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهَا ذَمَرَتْهُمْ لِقِتَالِ خَالِدٍ، فَهَاجُوا لِذَلِكَ، وناشب إِلَيْهِمْ آخَرُونَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وطيِّئ وَهَوَازِنَ وَأَسَدٍ، فَصَارُوا جَيْشًا كَثِيفًا وَتَفَحَّلَ أَمْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَارَ إِلَيْهِمْ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَهِيَ رَاكِبَةٌ على جمل أمها الّذي كان يقال له من يمسّ جَمَلَهَا فَلَهُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَذَلِكَ لِعِزِّهَا، فَهَزَمَهُمْ خَالِدٌ وَعَقَرَ جَمَلَهَا وَقَتَلَهَا وَبَعَثَ بِالْفَتْحِ الى الصديق رضى الله عنه.
قِصَّةُ الْفُجَاءَةِ
وَاسْمُهُ إِيَاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد يا ليل بْنِ عُمَيْرَةَ بْنِ خِفَافٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ حَرَّقَ الْفُجَاءَةَ بِالْبَقِيعِ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّهُ قدم عليه فزعم أنه أسلّم، وَسَأَلَ مِنْهُ أَنْ يُجَهِّزَ مَعَهُ جَيْشًا يُقَاتِلُ بِهِ أَهْلَ الرِّدَّةِ، فَجَهَّزَ مَعَهُ جَيْشًا، فَلَمَّا سَارَ جَعَلَ لَا يَمُرُّ بِمُسْلِمٍ وَلَا مُرْتَدٍّ إِلَّا قَتَلَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ الصِّدِّيقُ بَعَثَ وَرَاءَهُ جَيْشًا فَرْدَّهُ، فَلَمَّا أَمْكَنَهُ بَعَثَ بِهِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَجُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى قَفَاهُ وألقى في النار فحرقه وهو مقموط.
قِصَّةُ سَجَاحِ وَبَنِي تَمِيمٍ
كَانَتْ بَنُو تَمِيمٍ قَدِ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ أَيَّامَ الرِّدَّةِ، فَمِنْهُمْ مَنِ ارْتَدَّ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَعَثَ
الصفحة 319
362