كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 6)
مِنْ حُتُوفِهِ فَبَعَجَ بَطْنَهُ، وَفَلَقَ رَأْسَهُ وَعَجَّلَ اللَّهُ بِرُوحِهِ إِلَى النَّارِ فَبِئْسَ الْقَرَارُ، قَالَ الله تَعَالَى وَمن أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمن قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ 6: 93 فَمُسَيْلِمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَأَمْثَالُهُمَا لَعَنَهُمُ اللَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ دُخُولًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَأَوْلَاهُمْ بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْعَظِيمَةِ
سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَجُيُوشُ الصِّدِّيقِ وَأُمَرَاؤُهُ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ جَوَّالُونَ فِي الْبِلَادِ يَمِينًا وَشِمَالًا، لِتَمْهِيدِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَقِتَالِ الطُّغَاةِ مِنَ الْأَنَامِ، حَتَّى رُدَّ شَارِدُ الدِّينِ بَعْدَ ذَهَابِهِ، وَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَتَمَهَّدَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ، وَصَارَ الْبَعِيدُ الْأَقْصَى كَالْقَرِيبِ الْأَدْنَى، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ: إِنَّ وَقْعَةَ الْيَمَامَةِ كَانَتْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَاخِرِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا كَانَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَانْتِهَاءَهَا وَقَعَ في هذه السنة الآتية، وعلى هذا القول يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرُوا فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ قُتِلُوا فِي الْمَاضِيَةِ، وَمُبَادَرَةً إِلَى اسْتِيفَاءِ تَرَاجِمِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُذْكَرُوا مَعَ مَنْ قُتِلَ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ وَقْعَةَ جواثا وَعُمَانَ وَمَهْرَةَ وَمَا كَانَ مِنَ الْوَقَائِعِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا إِنَّمَا كَانَتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عشرة وفيها كان قتل الملوك الأربعة حمد ومحرس وأبضعة ومشرحا، وَأُخْتُهُمْ الْعَمَرَّدَةُ الَّذِينَ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِلَعْنِهِمْ. وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُمْ زِيَادُ بْنُ لبيد الأنصاري.
بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ
لَمَّا فَرَغَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنَ الْيَمَامَةِ، بَعَثَ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِفَرْجِ الْهِنْدِ، وَهِيَ الْأُبُلَّةُ، وَيَأْتِي الْعِرَاقَ مِنْ أَعَالِيهَا، وَأَنْ يَتَأَلَّفَ النَّاسَ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ أَجَابُوا وَإِلَّا أَخَذَ منهم الجزية فان امتنعوا عن ذلك قاتلهم، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُكْرِهَ أَحَدًا عَلَى الْمَسِيرِ مَعَهُ، وَلَا يَسْتَعِينَ بِمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وإن كان عَادَ إِلَيْهِ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ كُلَّ امْرِئٍ مَرَّ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَشَرَعَ أَبُو بَكْرٍ فِي تَجْهِيزِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ وَالْجُيُوشِ إِمْدَادًا لِخَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ اخْتُلِفَ فِي خَالِدٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: مَضَى مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: رَجَعَ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ سَارَ إِلَى الْعِرَاقِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَمَرَّ عَلَى طَرِيقِ الْكُوفَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْحِيرَةِ. قُلْتُ:
وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ خَالِدًا تَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فَجَعَلَ طَرِيقَهُ الْبَصْرَةَ وَفِيهَا قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَلَى الْكُوفَةِ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيُّ. وَقَالَ محمد بن
الصفحة 342
362