كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 6)
وَاحِدَةٍ، فَسَرَّحَ الْمُثَنَّى قَبْلَهُ بِيَوْمَيْنِ وَدَلِيلُهُ ظَفَرٌ، وَسَرَّحَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَعَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو، وَدَلِيلَاهُمَا مَالِكُ بْنُ عَبَّادٍ وَسَالِمُ بْنُ نَصْرٍ، أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِيَوْمٍ، وَخَرَجَ خَالِدٌ- يَعْنِي فِي آخِرِهِمْ- وَدَلِيلُهُ رَافِعٌ فَوَاعَدَهُمْ جَمِيعًا الْحَفِيرَ لِيَجْتَمِعُوا بِهِ، وَيُصَادِمُوا عَدُوَّهُمْ، وَكَانَ فَرْجُ الْهِنْدِ أعظم فروج فارس بأسا وأشدها شوكة، وكان صاحبه يحارب فِي الْبَرِّ وَالْهِنْدَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ هُرْمُزُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدٌ فَبَعَثَ هُرْمُزُ بِكِتَابِ خَالِدٍ إِلَى شِيرَى بْنِ كِسْرَى، وَأَرْدَشِيرَ بْنِ شِيرَى، وَجَمَعَ هُرْمُزُ، وَهُوَ نَائِبُ كِسْرَى جُمُوعًا كَثِيرَةً وَسَارَ بِهِمْ إِلَى كَاظِمَةَ، وَعَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ قُبَاذُ وأنوشجان- وهما من بيت الملك- وقد تفرق الْجَيْشُ فِي السَّلَاسِلِ لِئَلَّا يَفِرُّوا، وَكَانَ هُرْمُزُ هَذَا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ طَوِيَّةً وَأَشَدِّهِمْ كُفْرًا، وَكَانَ شَرِيفًا فِي الْفُرْسِ وَكَانَ الرَّجُلُ كُلَّمَا ازْدَادَ شَرَفًا زَادَ فِي حِلْيَتِهِ، فَكَانَتْ قَلَنْسُوَةُ هرمز بمائة ألف، وقدم خالد بمن مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا فنزل تجاههم على غير ماء فشكى أصحابه ذلك، فقال: جالد وهم حَتَّى تُجْلُوهُمْ عَنِ الْمَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلُ الْمَاءِ لِأَصْبَرِ الطَّائِفَتَيْنِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ الْمَنْزِلُ وَهُمْ رُكْبَانٌ عَلَى خُيُولِهِمْ، بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْهُمْ حَتَّى صَارَ لَهُمْ غُدْرَانٌ مِنْ مَاءٍ. فَقَوِيَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَفَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا تواجه الصفان وتقاتل الفريقان، ترجل هرمز ودعا إلى النزال، فَتَرَجَّلَ خَالِدٌ وَتَقَدَّمَ إِلَى هُرْمُزَ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ وَاحْتَضَنَهُ خَالِدٌ، وَجَاءَتْ حَامِيَةُ هُرْمُزَ فَمَا شَغَلَهُ عَنْ قَتْلِهِ، وَحَمَلَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى حَامِيَةِ هُرْمُزَ فَأَنَامُوهُمْ، وَانْهَزَمَ أَهْلُ فَارِسَ وَرَكِبَ المسلمون أكتافهم إلى الليل واستحوذ المسلمون وخالد عَلَى أَمْتِعَتِهِمْ وَسِلَاحِهِمْ فَبَلَغَ وِقْرَ أَلْفِ بَعِيرٍ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ ذَاتَ السَّلَاسِلِ لِكَثْرَةِ مَنْ سُلْسِلَ بِهَا مِنْ فُرْسَانِ فَارِسَ، وَأَفْلَتَ قُبَاذُ وَأَنُوشَجَانُ وَلَمَّا رَجَعَ الطَّلَبُ نَادَى مُنَادِي خَالِدٍ بِالرَّحِيلِ فَسَارَ بِالنَّاسِ وَتَبِعَتْهُ الْأَثْقَالُ حَتَّى نَزَلَ بِمَوْضِعِ الْجِسْرِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْبَصْرَةِ الْيَوْمَ، وَبَعَثَ بالفتح والبشارة والخمس، مع زر ابن كُلَيْبٍ، إِلَى الصِّدِّيقِ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِفِيلٍ، فَلَمَّا رَآهُ نِسْوَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جَعَلْنَ يَقُلْنَ أَمِنْ خَلْقِ اللَّهِ هَذَا أَمْ شَيْءٌ مَصْنُوعٌ؟ فَرَدَّهُ الصِّدِّيقُ مَعَ زِرٍّ، وَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ إِلَى خَالِدٍ، فَنَفَّلَهُ سَلْبَ هُرْمُزَ، وَكَانَتْ قَلَنْسُوَتُهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَتْ مُرَصَّعَةً بِالْجَوْهَرِ وَبَعَثَ خَالِدٌ الْأُمَرَاءَ يَمِينًا وَشِمَالًا يُحَاصِرُونَ حُصُونًا هُنَالِكَ فَفَتَحُوهَا عَنْوَةً وَصُلْحًا، وَأَخَذُوا مِنْهَا أَمْوَالًا جَمَّةً، وَلَمْ يَكُنْ خَالِدٌ يَتَعَرَّضُ لِلْفَلَّاحِينَ- مَنْ لم يقاتل منهم- ولا أولادهم بَلْ لِلْمُقَاتِلَةِ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ الْمَذَارِ فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَيُقَالُ لَهَا: وَقْعَةُ الثَّنْيِ، وَهُوَ النَّهْرُ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَيَوْمَئِذٍ قَالَ النَّاسُ، صَفَرُ الْأَصْفَارِ، فِيهِ يُقْتَلُ كُلُّ جَبَّارٍ، عَلَى مَجْمَعِ الْأَنْهَارِ. وكان سببها أن هرمزا كَانَ قَدْ كَتَبَ إِلَى أَرْدَشِيرَ وَشِيرَى، بِقَدُومِ خَالِدٍ نَحْوَهُ مِنَ الْيَمَامَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ كِسْرَى بِمَدَدٍ مَعَ أَمِيرٍ يُقَالُ لَهُ: قَارَنُ بْنُ قِرْيَانِسَ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَى هُرْمُزَ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَ خَالِدٍ مَا تَقَدَّمَ وَفَرَّ مَنْ فَرَّ مِنَ الْفُرْسِ، فَتَلَقَّاهُمْ قَارَنُ، فَالْتَفُّوا عَلَيْهِ فَتَذَامَرُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى الْعَوْدِ إِلَى خَالِدٍ، فَسَارُوا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: الْمَذَارُ، وَعَلَى مُجَنِّبَتَيْ قَارَنَ قُبَاذُ وَأَنُوشَجَانُ، فَلَمَّا انْتَهَى
الصفحة 344
362