كتاب الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ت النحال (اسم الجزء: 6)

النِّكَاحَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ؛ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيدَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا.
وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ اسْتَبْضِعِي (¬1) مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا، وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِنْ أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَصْنَعُ (¬2) ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ.
وَنِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ دُونَ الْعَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُها، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ لَيَالِي (¬3) بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ (¬4) حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، فَتَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ، وَهَذَا ابْنُكَ يَا فُلَانُ، فَتُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ (¬5) مِنْهُمْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا.
وَالنِّكَاحُ يَجْتَمِعُ (¬6) النَّاسُ الْكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ (¬7) عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ (¬8) مِمَّنْ جَامَعَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا، يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُنَّ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ (¬9)،
¬__________
(¬1) الاستبضاع: صيغة استفعال من البُضْع؛ الجِماع.
(¬2) في النسخ: "يضع"، والمثبت من السنن الكبير للمؤلف (14/ 99).
(¬3) وكذا في السنن، والجادة: "ليال".
(¬4) في (ع): "يمنع".
(¬5) في (ع): "أحب".
(¬6) في النسخ: "بجميع"، والمثبت من السابق.
(¬7) قوله: "فيدخلون" ليس في (م).
(¬8) في (ع): "تمنع".
(¬9) القافة: جمع القائِف، وهو الذي يَتَتَبَّع الآثارَ ويَعْرِفُها، ويَعْرِف شَبَه الرجُل بأخيه وأبيه.

الصفحة 31