كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة (اسم الجزء: 6)

فى الشتاء يعطى العساكر دستورا وهو نازل على برج عكّا، ويقيم طول الشتاء فى نفر يسير. وكان على الرّملة «1» فجاءه كتاب بوفاة تقىّ الدين [ابن أخيه «2» ] ، فقال وقد خنقته العبرة: مات تقىّ الدين! اكتموا خبره مخافة العدوّ. قال: ولقد واجهه الجناح «3» على يافا بذلك الكلام القبيح «4» ، فما قال له كلمة، واستدعاه فأيقن بالهلاك؛ وارتقب الناس أن يضرب رقبته فأطعمه فاكهة قدمت من دمشق وسقاه ماء وثلجا. قال: وكان للمسلمين لصوص يدخلون خيام الفرنج بالليل ويسرقونهم، فسرقوا ليلة صبيّا رضيعا فباتت أمّه تبكى طول الليل، فقال لها الفرنج: إنّ سلطانهم رحيم القلب فاذهبى إليه، فجاءته وهو على تلّ الخرّوبة «5» راكب، فعفرت وجهها وبكت، فسأل عنها فأخبر بقصّتها، فرقّ لها ودمعت عيناه، وتقدّم إلى مقدّم اللصوص بإحضار الطفل، ولم يزل واقفا حتّى أحضروه؛ فلمّا رأته بكت وشهقت وأخذته وأرضعته ساعة وضمّته إليها، وأشارت إلى ناحية الفرنج؛ فأمر أن تحمل على فرس وتلحق بالفرنج ففعلوا. قال ابن شدّاد: وكان حسن العشرة طيّب الخلق حافظا لأنساب العرب، عارفا بخيولهم، طاهر اللسان والقلم، فما شتم أحدا قطّ ولا كتب بيده ما فيه أذى مسلم. وما حضر بين يديه يتيم إلّا وترحّم على من خلّفه، وجبر قلبه وأعطاه ما يكفيه؛ فإن كان له كافل [سلّمه إليه «6» ] وإلّا كفله. وسرق «7» يوما من خزائنه ألفا دينار وجعل فى الكيس فلوس فما قال شيئا. انتهى كلام ابن شدّاد باختصار.

الصفحة 11