كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (اسم الجزء: 6)

قَالَ: فَأُذِنَ لَهُ فِيهَا فَأَتَى النَّجَاشِيَّ، قَالَ عَمِيرٌ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ جَعْفَرًا وَأَصْحَابَهُ آمِنِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ حَسَدْتُهُ، قُلْتُ: لَا تَسْتَقْبِلَنَّ لِهَذَا وَأَصْحَابِهِ فَأَتَيْتُ النَّجَاشِيَّ، فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِنَا ابْنَ عَمٍّ لِهَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّا وَاللَّهِ إِنْ لَمْ تُرِحْنَا مِنْهُ وَأَصْحَابِهِ لَا قَطَعْتُ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَبَدًا. فَقَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قُلْتُ: إِنَّهُ يَجِيءُ مَعَ رَسُولِكَ ; إِنَّهُ لَا يَجِيءُ مَعِي، فَأَرْسَلَ مَعِي رَسُولًا فَوَجَدْنَاهُ قَاعِدًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَدَعَاهُ فَجَاءَ فَلَمَّا أَتَيْتُ الْبَابَ، نَادَيْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَنَادَى خَلْفِي: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَسَمِعَ صَوْتَهُ، فَأَذِنَ لَهُ قَبْلِي، فَدَخَلَ وَدَخَلْتُ، وَإِذَا النَّجَاشِيُّ عَلَى السَّرِيرِ قَالَ: فَذَهَبْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَعَلْتُهُ خَلْفِي، وَجَعَلْتُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَجِّرُوا - قَالَ عَمْرٌو: يَعْنِي تَكَلَّمُوا - قُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلًا ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ لَا أَقْطَعُ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ أَنَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَبَدًا، قَالَ جَعْفَرٌ: صَدَقَ ابْنُ عَمِّي وَأَنَا عَلَى دِينِهِ قَالَ: فَصَاحَ صِيَاحًا، وَقَالَ: أُوهٍ. حَتَّى قُلْتُ: مَا لِابْنِ الْحَبَشِيَّةِ لَا يَتَكَلَّمُ؟! وَقَالَ: أَنَامُوسٌ، كَنَامُوسِ مُوسَى؟ قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ: أَقُولُ هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ. قَالَ: فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: مَا أَخْطَأَ فِي أَمْرِهِ مِثْلَ هَذَا، فَوَاللَّهِ لَوْلَا مُلْكِي لَاتَّبَعْتُكُمْ، وَقَالَ لِي: مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لَا تَأْتِيَنِي أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ أَبَدًا. أَنْتَ آمِنٌ بِأَرْضِي مَنْ ضَرَبَكَ قَتَلْتُهُ، وَمَنْ سَبَّكَ غَرَّمْتُهُ، وَقَالَ لِآذِنِهِ: مَتَى اسْتَأْذَنَكَ هَذَا فَائْذَنْ لَهُ إِلَّا أَنْ أَكُونَ عِنْدَ أَهْلِي، فَإِنْ أَتَى فَأْذَنْ لَهُ.
قَالَ: فَتَفَرَّقْنَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَاهُ مِنْ جَعْفَرٍ قَالَ: فَاسْتَقْبَلَنِي مِنْ طَرِيقٍ مَرَّةً، فَنَظَرْتُ خَلْفَهُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، وَقُلْتُ: أَتَعْلَمُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ قَالَ: فَقَدْ هَدَاكَ اللَّهُ فَاثْبُتْ، فَتَرَكَنِي وَذَهَبَ، فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي فَكَأَنَّمَا شَهِدُوهُ مَعِي، فَأَخَذُوا قَطِيفَةً أَوْ ثَوْبًا فَجَعَلُوهُ عَلَيَّ حَتَّى غَمُّونِي بِهَا قَالَ: وَجَعَلْتُ أُخْرِجُ رَأْسِي مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مَرَّةً وَمِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مَرَّةً حَتَّى أَفْلَتَ، وَمَا عَلَيَّ قِشْرَةً، فَمَرَرْتُ عَلَى حَبَشِيَّةٍ، فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا، فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَأَتَيْتُ جَعْفَرًا فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: أَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ لِي

الصفحة 28