كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 6)

وَكَانَ لِلسَّاجِيَّةِ قَائِدٌ كَبِيرٌ اسْمُهُ سِيمَا، وَكُلُّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى قَوْلِهِ، فَاتَّفَقَ صَنْدَلٌ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى إِعْلَامِ سِيمَا بِذَلِكَ إِذْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَأَعْلَمُوهُ بِرِسَالَةِ الْقَاهِرِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: هَذَا صَوَابٌ، وَالْعَاقِبَةُ فِيهِ جَمِيلَةٌ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُدْخِلُوا فِي الْأَمْرِ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، يَعْنِي أَصْحَابَ بُلَيْقٍ وَمُؤْنِسٍ، وَلْيَكُنْ مِنْ أَكَابِرِهِمْ، فَالْتَقَوْا عَلَى طَرِيفٍ السُّبْكَرِيِّ، وَقَالُوا: هُوَ أَيْضًا مُتَسَخِّطٌ فَحَضَرُوا عِنْدَهُ وَشَكَوْا إِلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ الْأُسْتَاذُ، يَعْنُونَ مُؤْنِسًا، يَمْلِكُ أَمْرَهُ لَبَلَغْنَا مُرَادَنَا، وَلَكِنْ قَدْ عَجَزَ وَضَعُفَ، وَاسْتَبَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ بُلَيْقٍ بِالْأُمُورِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُ مِنْ كَرَاهَتِهِمْ أَضْعَافَ مَا أَرَادُوا، فَأَعْلَمُوهُ حِينَئِذٍ حَالَهُمْ فَأَجَابَهُمْ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ، وَاسْتَحْلَفَهُمْ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ مُؤْنِسًا وَبُلَيْقًا وَابْنَهُ مَكْرُوهٌ وَأَذًى فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بُلَيْقٌ وَابْنُهُ بُيُوتَهُمْ وَيَكُونُ مُؤْنِسًا عَلَى مَرْتَبَتِهِ لَا يَتَغَيَّرُ، فَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ، وَحَلَفَ لَهُمْ عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَطَلَبَ خَطَّ الْقَاهِرِ بِمَا طَلَبَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْقَاهِرِ بِمَا كَانَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ بِمَا أَرَادُوا وَزَادَ بِأَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَيَخْطُبُ أَيَّامَ الْجُمَعِ، وَيَحُجُّ بِهِمْ (وَيَغْزُو مَعَهُمْ) ، وَيَقْعُدُ لِلنَّاسِ وَيَكْشِفُ مَظَالِمَهُمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ.
ثُمَّ إِنَّ طَرِيفًا اجْتَمَعَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْحُجَرِيَّةِ، وَكَانَ ابْنُ بُلَيْقٍ قَدْ أَبْعَدَهُمْ عَنِ الدَّارِ وَأَقَامَ بِهَا أَصْحَابَهُ، فَهُمْ حَنِقُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَعْلَمَهُمْ طَرِيفٌ الْأَمْرَ أَجَابُوهُ إِلَيْهِ، فَظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى ابْنِ مُقْلَةَ، وَابْنِ بُلَيْقٍ، وَلَمْ يَعْلَمُوا تَفْصِيلَهُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَقْبِضُوا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ قُوَّادِ السَّاجِيَّةِ وَالْحُجَرِيَّةِ، فَلَمْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ.
وَكَانَ الْقَاهِرُ قَدْ أَظْهَرَ مَرَضًا مِنْ دَمَامِيلَ وَغَيْرِهَا، فَاحْتَجَبَ عَنِ النَّاسِ خَوْفًا مِنْهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا خَوَاصَّ خَدَمِهِ مِنَ الْأَوْقَاتِ النَّادِرَةِ فَتَعَذَّرَ عَلَى ابْنِ مُقْلَةَ وَابْنِ بُلَيْقٍ الِاجْتِمَاعُ بِهِ لِيَبْلُغُوا مِنْهُ مَا يُرِيدُونَ، فَوَضَعَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَخْبَارِ الْقَرَامِطَةِ لِيَظْهَرَ لَهُمْ وَيَفْعَلُوا بِهِ مَا أَرَادُوا

الصفحة 785