كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 6)

{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: ٣١] شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا)) (¬١)، يعني: بمجرد ما نزل الحجاب امتثلنَّ أمر الله وأمر رسوله.
وفيه: دليل على قبول خبر الواحد، والرد على مَن قال بعدم قبوله.
وفيه: دليل على أنَّ صغير القوم يخدمهم.
وفيه: أنَّ شرابهم كان من الفضيخ، والفضيخ: البُسر والتمر، يُفضَخ البُسر، أو التمر، ثم يُصَب عليه الماء، حتى يغلي ويكون خمرًا.
وفيه: الرد على الكوفيين والأحناف (¬٢) الذين يقولون: لا يسمى خمرًا إلا عصير العنب، والصحيح: أن كلًّا من عصير العنب، أو عصير التمر والبُسر، والزبيب، والذرة، والعسل، والشعير- كلها يكون منها الخمر، والخمر ليس خاصًّا بالعنب فقط.
وقد ذهب الأحناف إلى أنه خاصٌّ بالعنب، ولا يسمى خمرًا ما عداه، ويجوز شرب القليل الذي لا يُسكِر منه، يعني: أنه إذا أسكر امتنعوا عنه.
والصواب: أنَّ الجميع لا يجوز شربه، فكل ما أسكر كثيره فقليله حرام.
فالخمر عام ويكون من عدة أشياء، كما قال عمر رضي الله عنه: ((أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ؛ مِنْ: العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ)) (¬٣)، ومن ثم فهي تسمى خمرًا، ويدل على ذلك الحديث- كما سيأتي-: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)) من أي شيءٍ كان.
وفيه: أنَّ أهل المدينة أراقوا الخمر، وأنها جرت في سكك المدينة، فاحتجَّ بعض العلماء على أنَّ الخمر ليست نجسة؛ بدليل أنها أُهرقَت في سِكَك المدينة، والشوارع ضيقة، فلا بد أن تمسَّ الأرجل والثياب، ولم
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٤٧٥٨).
(¬٢) البحر الرائق، لابن نجيم (٨/ ٢٤٧).
(¬٣) أخرجه البخاري (٤٦١٩)، ومسلم (٣٠٣٢).

الصفحة 12