كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 6)
وفيه: دليلٌ على أنَّ الاختِلافَ لا يُوجِبُ حُكمًا، وإنَّما يوجِبُ النَّظَر، وأنَّ الإجماعَ يُوجِبُ الحُكمَ والعمَلَ.
وفيه: دليلٌ على إثباتِ المناظَرَةِ والمجادلةِ عندَ الخِلافِ في النَّوَازِلِ والأحْكام، ألا تَرَى إلى قولِ أبي عُبيدةَ لعمرَ رحِمَهما اللهُ تعالى: "تَفِرُّ مِن قَدَرِ الله؟ فقال: نعم، نفِرُّ مِن قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله. ثم قال له: أرَأيتَ؟ " فقايَسَه وناظَرَه بما يُشْبِهُ في مسألتِه.
وفيه: دليلٌ على أنَّ الاخْتِلافَ إذا نزَلَ، وقامَ الحجَاجُ، فالحُجَّةُ والفَلْجُ (¬١) بيَدِ مَن أدْلى بالسُّنةِ، إذا لم يكنْ مِن الكتابِ نَصٌّ لا يُختَلَفُ في تَأويله. وبهذا أمَرَ اللهُ عبادَه عندَ التنازُع، أن يَرُدُّوا ما تَنازَعُوا فيه إلى كتابِ الله وسنةِ نَبِيِّه - صلى الله عليه وسلم -، فمن كان عندَه فيه عِلْمٌ (¬٢)، وجَبَ الانقيادُ إليه.
وفيه: دليلٌ على أنَّ الحديثَ يُسَمَّى عِلْمًا، ويُطْلَقُ ذلك عليه، ألا ترَى إلى قولِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوف: عندي مِن هذا عِلْمٌ؟
وفيه: دليلٌ على أنَّ الخلْقَ يَجرُونَ في قَدَرِ الله وعِلْمِه، وأنَّ أحدًا منهم أو شيئًا لا يخرُجُ عن حُكمِه وإرادَتِه ومَشِيئَتِه، لا شريكَ له.
وفيه: أنَّ العالم قد يُوجَدُ عندَ مَن هو في العِلْم دُونَه ما لا يُوجَدُ منه عندَه؛ لأنَّه معْلُومٌ أنَّ مَوْضِعَ عمرَ مِن العِلْم، ومكانَه مِن الفهم، ودُنُوَّه مِن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في المدْخَلِ والمخْرَج، فوقَ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ، وقد كان في هذا البابِ عندَ عبدِ الرحمنِ عنه عليه السَّلامُ ما لم يكنْ عند عمرَ (¬٣). وهذا واضِحٌ يُغني عن القولِ فيه. وقد جَهِل محمدُ بنُ سيرينَ حديثَ رُجوع عمرَ مِن أجْلِ الطَّاعُون.
---------------
(¬١) الفَلْجُ: الظَّفَر والفوزُ. الصحاح (فلج).
(¬٢) في بقية النسخ، "من ذلك علم"، والمثبت من الأصل.
(¬٣) في ف ٢: "ما جهله عمر"، وهو بمعنى.