كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 6)

[الحجرات: ٦]، وقُرِئَتْ: (فتَثبَّتوا) (¬١). فلو كان العَدْلُ إذا جاءَ بنَبأ يُتَثبَّتُ في خبرِه ولم يُنَفَّذ، لاسْتَوى الفاسِقُ والعَدْلُ، وهذا خِلافُ القرآنِ؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: ٢٨]. والقولُ في خَبَرِ العدْلِ مِن جِهَةِ النظرِ له موضعٌ غيرُ هذا، وما التوفيقُ إلَّا بالله (¬٢).
وقد مَضَى في معنَى الطَّاعُونِ أخبارٌ وتفسِيرٌ في بابِ ابنِ شهابٍ، عن عبدِ الله بنِ عامِر (¬٣)، لا معنَى لتكْرَارِها هاهنا، والعربُ تزعُمُ أنَّ الطاعونَ طَعْنٌ مِن الشيطان، وتُسَمِّيه رِمَاحَ الجِنِّ. ولهم في ذلك أشعارٌ لم أرَ ذكرها (¬٤)؛ لأنِّي على غيرِ يَقِينٍ منها. وقد رُويَ أنَّ عمرَو بنَ العاص قام في الناسِ في طاعُونِ عَمَوَاسٍ في الشَّام، فقال: هذا الطَّاعُون قد ظهَرَ، وإنَّما هو رِجْزٌ مِن الشيطانِ، ففِرُّوا منه في هذه الشِّعاب. فأنكَرَ ذلك عليه معاذُ بنُ جبلٍ:
حدَّثنا عبدُ الوارثِ بنُ سفيانَ، قال: حدَّثنا قاسِمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا ابنُ وضَّاح (¬٥)، قال: حدَّثنا دُحَيْمٌ، قال: حدَّثنا الوليدُ بنُ مُسْلِم، عن الوليدِ بنِ محمدٍ، عن الزُّهريِّ، قال: أصاب الناسَ طاعُونٌ بالجابِية (¬٦)، فقام عمرُو بنُ العاص فقال: تفَرَّقوا عنه، فإنَّما هو بمنزِلةِ نارٍ. فقام معاذُ بنُ جبل، فقال: لقد كنتَ فينا
---------------
(¬١) وهي من القراءات المتواترة، وبها قرأ حمزة والكسائيُّ وخَلَفٌ، وقرأ الباقون {فَتَبَيَّنُوا}. ينظر: السَّبعة في القراءات لابن مجاهد، ص ٢٣٦، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري ٢/ ٢٥١.
(¬٢) قوله: "وما التوفيق إلا بالله" لم يرد في الأصل.
(¬٣) هو أبن ربيعة، وهو في الموطأ ٢/ ٤٧٦ (٢٦١٣)، وقد سلف تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(¬٤) في م: "لم أذكرها".
(¬٥) هو محمد بن وضّاح بن بزيع، مولى عبد الرحمن بن معاوية الأموي، ودُحيم: هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو بن ميمون القرشي، أبو سعيد الدمشقي، ودُحيم لقبُه.
(¬٦) الجابية: أصلُه في اللغة: الحوض الذي يُجبى فيه الماء للإبل: وهي قرية من أعمال دمشق من ناحية الجولان قرب مرج الصُّفّر في شمال حوران. (معجم البلدان ٢/ ٩١).

الصفحة 41