كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 6)
حدَّثنا سعيدُ بنُ نصر وعبدُ الوارثِ بنُ سفيانَ، قالا: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصْبَغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ وَضَّاح، قال: حدَّثنا أبو بكرٍ بنُ أبي شيبةَ، قال: حدَّثنا حُسَيْنُ بنُ عليٍّ، عن زائِدةَ، عن عبدِ الملكِ بنِ عُمَيرٍ، عن مُصْعَبِ بنِ سعدٍ، عن أبيه، قال: عادني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقُلْتُ له: أُوصِي بمالي كلِّه؟ قال: "لا". قلتُ: فالنِّصفُ؟ قال: "لا". قلتُ: فالثُّلثُ؟ قال: "نعم، والثُّلثُ كثيرٌ" (¬١).
فهذه الآثارُ في الوصيَّةِ في الثُّلُث.
وأجمَع علماءُ المسلمين على أنَّه لا يجوزُ لأحدٍ أن يُوصِيَ بأكثرَ مِن ثُلُثِه إذا تَرَك وَرَثَةً مِن بَنينَ، أو عَصَبةً (¬٢).
واخْتَلفُوا إذا لم يَتْرُكْ بَنِينَ ولا عَصَبةً، ولا وارِثًا بنسبٍ أو نكاح؛ فقال ابنُ مَسعودٍ: إذا كان كذلك، جاز له أن يُوصِيَ بمالِه كُلِّه. وعن أبي موسى الأشعريِّ مثلَه. وقال بقولهما قومٌ؛ منهم مسروق، وعَبيدَةُ السَّلْمَانيُّ (¬٣). وبه قال إسحاقُ بنُ راهُويَة (¬٤).
واخْتَلَف في ذلك قولُ أحمدَ (¬٥). وذهَب إليه جماعَةٌ مِن المتأخِّرينَ ممَّن
---------------
(¬١) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٣٧٩ (٧٣٧٨) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، به.
وأخرجه مسلم (١٦٢٨) (٧)، وأبو عوانة في المستخرج ٣/ ٤٨٤ (٥٧٧٨) من طريقين عن الحسين بن عليّ الجُعفيّ، به.
(¬٢) ينظر: مراتب الإجماع لابن حزم، ص ١١١.
(¬٣) نقل جملة هذه الأقوال عن المذكورين وغيرهم ابن المنذر في الأوسط ٨/ ٩٩ - ١٠٠، وسيأتي تخريج الآثار الواردة في ذلك أثناء هذا الشرح قريبًا. وينظر: المغني لابن قدامة ٦/ ١٤٠.
(¬٤) نقله عنه إسحاق بن منصور الكوسج في مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ٨/ ٤٢٧٢ (٣٠٤١) قال: "له أن يُوصي بماله كلِّه؛ لِمَا قال ابن مسعود رضي الله عنه ذلك".
(¬٥) نقل رواية عدم جواز الوصية من ماله إلا بالثلث إسحاق بن منصور الكوسج في مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ٨/ ٤٢٧١ (٣٠٤١) قال: "لا، وأنّ زيد بن ثابت رضي الله عنه ردَّ ما بقيَ إلى بيت المال، بيت المال له عصبة". =